مقرر مساعد لجنة «التضخم وغلاء الأسعار» بالحوار الوطنى: «عصابات النقد الأجنبى» وراء انخفاض تحويلات المصريين بالخارج
- رائد سلامة قال إن الدولة تعمل على توحيد سعر الدولار والقضاء على «المضاربة»
- نحتاج وزيرًا للاقتصاد يكون مايسترو التنسيق بين السياسات المالية والاستثمارية
- لا بد من ضبط الأسعار من خلال الرقابة على الأسواق بشكل دائم وليس مؤقتًا فقط بسبب الظروف الحالية
- مكافحة التضخم تكون بتوفير عملة أجنبية لاستيراد مستلزمات الإنتاج والبضائع
قال الدكتور رائد سلامة، المقرر المساعد للجنة التضخم وغلاء الأسعار فى الحوار الوطنى، إن وثيقة التوجهات الاقتصادية، التى أعدها مجلس الوزراء للفترة من ٢٠٢٤-٢٠٣٠، بمثابة توثيق مكتوب للتوجهات الاقتصادية أعربت الحكومة بموجبه عن رؤيتها الاستراتيجية، واصفـًا الأمر بأنه تقليد طيب.
واقترح «سلامة»، فى حواره مع «الدستور»، تعيين وزير للاقتصاد للاضطلاع بدور المايسترو من أجل التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية، وتفعيل أداة الشباك الواحد، وتطوير الخرائط الاستثمارية من أجل الترويج الناجح لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، من خلال تفعيل المادة ٢٢ من قانون الاستثمار فيما يتعلق بدور المكاتب الاستشارية المعتمدة.
■ بداية.. كيف ترى دعوة الرئيس السيسى لعقد حوار اقتصادى؟
- منذ أعلن الرئيس عن إطلاق حوار وطنى اقتصادى وأنا أشعر بالحماس، فأى وطنى مخلص صاحب فكر أو رؤية أو تصور للعبور من الأزمة لا يمكن أن يبخل بأفكاره على بلده.. تلك الدعوة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى بصفته رأس الدولة، ما يكسبها جدية من نوع خاص.
أما فيما يتعلق بدعوة الرئيس السيسى لإطلاق حوار اقتصادى أو إعطاء الأولوية للمحور الاقتصادى بالحوار الوطنى فى جولته الثانية، المزمع انعقادها قريبًا، فإن هذا بقدر ما يعكس اهتمام القيادة السياسية بمخرجات الحوار الوطنى يلقى على أطرافه عبئًا أكبر فى إبداع مزيد من التوصيات العلمية غير التقليدية التى تتسم بالموضوعية، وإمكان التطبيق العملى بعيدًا عن الدوجمائية والشعبوية.
■ ما أبرز الملفات التى سيناقشها الحوار الاقتصادى؟
- رغم أننا ناقشنا فى الجولة الأولى من الحوار الوطنى العديد من الملفات المهمة، إلا أن المتغيرات الجيوسياسية الأخيرة التى تحدث فى الإقليم، وعلى رأسها التبعات والآثار الاقتصادية لأزمة العدوان الهمجى على أشقائنا فى غزة- تجعل من النظر فى التوصيات السابق التوصل إليها مسألة بالغة الأهمية فى ضوء المستجدات، ما يستدعى استمرار العمل بشكل مرن يضمن التحديث الدائم على نحو متكامل، لتلافى أن تؤثر توصيات ما على توصيات أخرى.
المعضلات الاقتصادية من وجهة نظرى الشخصية تتمثل فيما أسميه «٣+١»، فالثلاث معضلات هى: معضلة التضخم وغلاء الأسعار، ثم معضلة المالية العامة من عجز الموازنة والدين العام، ثم معضلة التنمية والاستثمار، أما المعضلة الكبرى العابرة للثلاث معضلات فهى أزمة توافر العملة الأجنبية.
وإضافة إلى ذلك، هناك ما يتعلق بالمعضلات الكلية، من أمور تتعلق بالصناعة والزراعة والسياحة والعدل الاجتماعى وسبل تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ومقترحات الخطوات التنفيذية لضم الاقتصاد غير الرسمى.
■ كيف يساعد الحوار الاقتصادى على حل مشكلاتنا الحالية؟
- ما تحتاجه مصر فى الفترة الحالية هو استمرار الحوار الذى يجمع كل أبناء الوطن على اختلاف المدارس الفكرية التى ينتمون إليها، لأجل التوافق على مشتركات عملية تتم التوصية بها للقيادة السياسية.
إننا فى الحوار الوطنى- كما جاء فى وثائقه التأسيسية- لسنا جهة تنفيذية ولا جهة تشريعية، وبالتالى فنحن نبذل كل الجهد الممكن لأجل التوافق على توصيات يتقبلها الجميع كى تُرفع للرئيس السيسى لتوجيهها لمن يهمه الأمر، سواءً للحكومة أو لمجلس النواب، بما لا يدع مجالًا للاختلاف حولها عند تطبيقها.
نقطة الارتكاز الأساسية تتمثل فى أننا بصدد «حوار» لا «مناظرة»، «نقاش» لا «منافسة». من هنا تأتى أهمية مشاركة كل القوى الوطنية فى الحوار الاقتصادى على وجه التحديد.
وأتذكر فى هذا السياق تعليق رئيس الجمهورية فى مؤتمر ببرج العرب، خلال العام الماضى، حين سأل المستشار رئيس الأمانة الفنية بالحوار الوطنى عن تطور العمل، فلما أبلغه بأننا قد توافقنا على ثلاثة موضوعات، هى: قانون مكافحة التمييز وإنشاء المفوضية الخاصة به وفقًا للمادة ٥٣ من الدستور، وقانون الوصاية، وقانون حرية تداول المعلومات، كان رد الرئيس بأن طلب منه تلك المخرجات لتنفيذها على الفور وفقًا لاختصاصاته الدستورية، سواءً بتوجيهها للحكومة أو لمجلس النواب.
هكذا سيسهم الحوار الوطنى بشكل عام فى النهوض بالاقتصاد؛ بالتأكيد على جدية الآلية التى يعمل بها.
■ كيف سيجرى تناول وثيقة توجهات الاقتصاد المصرى التى أعلنت عنها الحكومة فى الحوار الاقتصادى؟
- الوثيقة، كما فى خطة تنفيذ توصيات المرحلة الأولى، بمثابة توثيق مكتوب للتوجهات الاقتصادية، أعربت الحكومة بموجبها عن رؤيتها الاستراتيجية، وهذا تقليد طيب.
وستجرى مناقشة هذه الوثيقة بالحوار الوطنى من ناحية محتواها، من أجل التوافق على ما جاء بها وتقديم ما يلزم من توصيات بشأنه.
وأظن أن النقاش سيشمل الخطط التنفيذية الموضوعية والعملية التى وضعتها الحكومة لتحقيق تلك الاستراتيجيات، حسبما يقره أعضاء مجلس الأمناء من إطار للعمل فى هذا الشأن، وفقًا لرؤية الأستاذ الدكتور أحمد جلال، المقرر العام للمحور الاقتصادى.
■ كيف سيواجه الحوار الاقتصادى الارتفاع غير المبرر للأسعار فى السلع؟
- هذه واحدة من أهم المعضلات التى أشرت إليها سابقًا فى فكرة «٣+١»، والمواجهة الناجحة تتحقق من خلال التشخيص الذى يتناسب ويتلاءم مع مسبباتها الحقيقية التى تختلف بسبب الظروف الموضوعية من مجتمع لآخر.
رأيى الشخصى هو أن ظاهرة التضخم لدينا نتجت عن ازدياد الفجوة بين العرض والطلب بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد أو الإنتاج كنتيجة لنمط الاقتصاد الذى يعتمد بالأساس على العملة الأجنبية، التى قل وجودها بسبب انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج من جراء ما تمارسه عصابات النقد الأجنبى، وكذلك بسبب الظروف الجيوسياسية التى أثرت على حركة مرور السفن بقناة السويس وانخفاض معدلات السياحة، بعدما كانت تسير بوتيرة جيدة، إضافة إلى عبء سداد الديون بالعملة الأجنبية.
كل هذه الأمور تسببت فى الارتفاع الحاد فى أسعار العملات الأجنبية، التى أدت بدورها إلى زيادة معدلات التضخم، لا بسبب ارتفاع الطلب.
وبالتالى، فإن ظاهرة التضخم ترتبط بالأساس بأزمة العملة الأجنبية، التى أكد عليها الرئيس السيسى فى اجتماع له مؤخرًا، باعتبار أن المشكلات ستختفى إن وفرنا الدولار.
تحديدنا أصل المشكلة هو مفتاح الحل، ويكون- من وجهة نظرى- من خلال أدوات السياسات المالية والاقتصادية. هناك ضرورة لأن يكون لدينا سعر واحد للعملة الأجنبية، وهو هدف ينبغى العمل عليه بأسرع وقت، من خلال القضاء على المضاربة، وهو أمر تعمل عليه السلطات حاليًا، مع دعم مرونة محسوبة لسعر الصرف، وهو أمر يقتضى توافر سيولة من العملات الأجنبية لضخها فى السوق وقت الحاجة. وهذه السيولة تأتى من عدة مصادر، أهمها الاستثمار الأجنبى المباشر منخفض التكلفة، وهذا ما قصدته سابقًا من موضوع ارتباط الملفات «٣+١» ببعضها البعض.
مكافحة التضخم تكون بتوفير عملة أجنبية لاستيراد مستلزمات الإنتاج والبضائع الجاهزة، وتوفير العملة الأجنبية يكون من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وجذب تلك الاستثمارات يكون من خلال تطوير البنى التحتية التى قطعنا فيها شوطًا جيدًا، وكذلك تمكين القطاع الخاص لتوطين الصناعة التى لدينا فيها مقومات مهمة تبشر بمستقبل واعد، مثل صناعة السيارات الكهربائية أو بطارياتها، فى ظل مناخ عام من الاستقرار فى المنطقة كنا مقدمين عليه لولا ما حدث فى أوكرانيا ثم غزة وما نتج عنهما من أضرار.
وينبغى علينا مراعاة ذلك كله بأعلى درجات الحساسية عند القيام بأى إجراء يتعلق بتوحيد سعر الصرف. إضافة لذلك لا بد من ضبط الأسعار من خلال الرقابة على الأسواق بشكل دائم وليس فقط بسبب الظروف الحالية، وقد كان للدكتور جودة عبدالخالق، عضو مجلس الأمناء، تجربة مهمة عندما كان وزيرًا للتموين، وقدم مبادرات يمكن البناء عليها فى الأزمة الحالية.
■ ما أبرز المتطلبات التشريعية فى الشأن الاقتصادى التى تسهم فى تحسين مناخ الاستثمار؟
- جرت الإشارة إلى كثير من الإجراءات المقترحة للمتطلبات التشريعية التى تم التوافق على كفايتها بالمرحلة الأولى للحوار الوطنى، فى واحدة من أهم اللجان التى شرُفت بعضويتها، وكان مقررها الصديق العزيز الدكتور سمير صبرى.
لقد تقدمت بمقترح تم تبنيه بالفعل كإحدى التوصيات لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، من خلال تمويل غير تقليدى، يتمثل فى المساهمة برأس المال من خلال آلية مختلفة، هى آلية الصناديق Venture Funds، لتلافى مشكلات الإقراض المختلفة التى كانت عائقًا فى تطوير هذا القطاع بالغ الأهمية، بحيث يمكن من خلالها تشجيع الاقتصاد غير الرسمى للانضمام للاقتصاد الرسمى بشكل طوعى.
أما أهم الإجراءات الأخرى، فيمكننى أن أسرد بعضها، ومنها تعيين وزير للاقتصاد للاضطلاع بدور المايسترو من أجل التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية، وتفعيل أداة الشباك الواحد، وتطوير الخرائط الاستثمارية لأجل الترويج الناجح لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، من خلال تفعيل المادة ٢٢ من قانون الاستثمار فيما يتعلق بدور المكاتب الاستشارية المعتمدة.
■ تأثرت مصر اقتصاديًا بالحرب على غزة، ما الذى يجب فعله لتجاوز هذه الأزمة؟
- إضافة إلى المشكلات البنيوية التى يعانيها الاقتصاد المصرى، فقد جاءت الظروف الجيوسياسية الدولية والإقليمية لتضيف عبئًا جديدًا ألقى بآثار ضخمة أعاقت إمكانات التطوير والتنمية الحقيقية. مصر تحيطها بؤر ملتهبة من كل جانب وليس من ناحية العدوان الهمجى على غزة فقط، وهى أمور لا تخفى على أحد، وتؤثر على دخلنا من قناة السويس والسياحة والاستثمار المباشر.
ستجد جنوبًا الأزمة فى السودان الشقيق، والأعمال العسكرية فى اليمن عند باب المندب، وغربًا ستجد عدم الاستقرار فى ليبيا، وشرقًا ستجد الأزمة الجارية فى غزة، إضافة إلى جيوب أخرى تتسبب فى حالة من الفوضى فى العراق وسوريا وجنوب لبنان، بخلاف أزمة سد النهضة ومخاطرها المحدقة.
وسط هذا الجوار المشتعل، ثبت للعالم أن مصر هى رمانة الميزان للاستقرار فى المنطقة الغنية بموارد طبيعية هائلة تهم العالم بأسره، وبالأخص فى مجالات الطاقة النظيفة من الغاز الطبيعى والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. بشكل شخصى، أنا أنظر للأزمات باعتبارها فرصًا سانحة للمستقبل، لا فقط باعتبار ما يكتنفها من مخاطر حالية، وبمزيد من تعميق التفاهم والتوافق الذى يعبّر عنه حوارنا الوطنى، من خلال تفعيل عناصر النجاح من الإرادة والتخطيط العلمى والعمل الجاد والمتابعة وقياس الأثر، فسنعبر جميعًا الأزمة الحالية.
■ كيف ترى إعلان الحكومة الخطة التنفيذية لتوصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطنى؟
- ستمثل هذه الوثيقة فى حد ذاتها، ورغم ما قد يكتنفها من رؤى متباينة بشأن المدة الزمنية للإنجاز، تقليدًا طيبًا من حيث إن الحكومة قد ألزمت نفسها بشكل مُوثّق أمام جميع الأطراف، بمن فيها رئيس الجمهورية وكذلك السلطة التشريعية والرقابية، ممثلة فى مجلس النواب- بإجراءات وتفاصيل وأمدية زمنية ومؤشرات أداء ومسئوليات، يمكن متابعتها ومحاسبتها بناءً عليها للانتهاء من توصيات المرحلة الأولى.