أم كلثوم .. الاختيار .. و نظرية الفشار
مر خبر حصول “كوكب الشرق” أم كلثوم على الترتيب رقم 61 في قائمة المجلة الأمريكية الأشهر “رولينج ستونز” لأعظم 200 مطرب ومطربة في التاريخ مرورا لا يليق بحجم الإنجاز الذي تحقق لأسطورة حقيقية، هي العربية الوحيدة الموجودة في هذه القائمة، انتظرت كثيرا منذ إعلان القائمة في الأول من يناير الماضي، تابعت الأخبار بحثا عن رد فعل ما من وزارة الثقافة فوجدت الكثير عن أزمة مسرحية عن الشيخ الشعراوي، من نقابة المهن الموسيقية فوجدتها مشغولة بأزمة ويجز، الحقيقة أن رد الفعل وإن كان موجودا على استحياء، لكنه لا يكفي، ولا أعلم لماذا لم نستغل الفرصة، لا أعلم متى يمكن أن نحتفي بقاماتنا وكنوزنا الذين ما زالوا يسجلون لمصر تواجدا يصعب على الآخرين، تواجدا تحتفي دول بأقل منه لأعوام، لكن للأسف نحن نقتل الزهور.
غدا تحل ذكرى وفاة أم كلثوم التي غابت عن دنيانا منذ أكثر من ربع قرن، وبالتحديد في العام 1975، لكنها ما زالت تتربع على كل العروش، مازالت رقما صعبا في كل المعادلات الفنية الحاضرة والماضية والمستقبلية، اعرف أن حفلا هنا أو هناك في دار الأوبرا سوف يتم في هذه الذكرى، لكني كنت أتمنى أن يكون احتفال آخر يليق بسيدة الغناء الأولى في عالمنا العربي، كنت أتمنى أن تشارك نجمات مصر ومطرباتها ومطربيها في حفلا واحدا تكريما لهذا الصوت الذي يمكن اعتباره ظاهرة كونية حقيقية، كنت أتمنى أن ننتهز الفرصة، أن نفرح لهذا الاختيار ونعظمه، في بلدان أخرى يتعامل المسئولون مع فنهم الأقل بنظرية “الفوشار”، نظرية “الفوشار” أو باللهجة الدارجة “الفشار” تعني أنه يمكن أن يكون لديك حفنة من الذرة، بعضا من حبيبات صغيرة لا تحملها راحة اليد بصعوبة، تضعها في وعاء ما وتصبح كما هائلا من “الفشار”، ما لديهم وما يملكونه هذه الحبيبات الصغيرة ويصنعون منها هذا الكم الهائل، ما لدينا هو المحصول الكامل الذي يكفي منه الأفدنة الفنية، وللأسف لا نستطيع أن نفعل شيء.
لا نريد تأليها لكنوزنا الحقيقية، لا نريد الفخر دائما بما كان فينا، لكن من حقنا أن نفرح بالاختيار، من حقنا أن نتباهى بأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وبليغ حمدي وغيرهم، تاريخنا سند حقيقي وحاضرنا أيضا به الكثير الذي يمكن أن نفخر به، ومستقبلنا من حقه أن يرى هذا الاحتفاء وهو واجب على الجميع.
منذ أيام تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أهمية الدراما في صنع بطولات الشرطة، الحقيقة هو دور مهم إذا شاهدت أعمالا أمريكية أو حتى هندية تبحث عن أحداثا ربما تراها عادية، وبطولات ربما تراها لا تستحق وتصنع منها أعمالا تخلدها، فتصبح باقية وشاهدة، ونحن لدينا نماذج كثيرة وبطولات حقيقية هي كنز درامي كبير ولا أعرف لماذا تغيب عن الشاشات؟
الحقيقة أننا في حاجة إلى التعامل مع ما لدينا بكثير من الجدية والاهتمام، التعامل بالتقدير الذي نستحقه ونستحقه، نحتاج إلى أن نشعر بأن لدينا ما يستحق ويفخر به، أعلم أن ما لدينا كثير ربما يكون سبب في تجاهله أو التعاطي معه بأنه شيء عادي، لكن الحقيقة أنه يستحق أن ننظر إليه بمزيد من الفخر والاهتمام.
نحن نعيش في زمن اللقطة وهناك من يستغلون اللقطة ويصنعون تريندا زائفا، هناك من يريدون إيهامنا بأن لديهم الكثير، وهم حفنة من الذرة لا أكثر، لا نلومهم ولا يمكن التقليل من مسعاهم، لكن نلوم أنفسنا.. فلا يجب أن نفرط أكثر وأن نشارك أكثر في صنع فشار الآخرين.