الكنيسة المارونية تحتفل بذكرى عيد سيّدة الحصاد
تحتفل الكنيسة المارونية بذكرى عيد سيّدة الحصاد، وبهذه المناسبة القت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: في مدرسة مريم، المرأة "الافخارستيّة": إن مريم قد عاشت، بطريقة ما، إيمانًا افخارستيًّا حتّى قبل تأسيس الإفخارستيا، وذلك بمجرد أنّها قدّمت حشاها البتوليّ لتجسّد كلمة الله. وفيما تشير الإفخارستيا إلى الآلام والقيامة، فهي في الوقت نفسه استمرار للتجسّد. في البشارة حبلت مريم بابن الله، حبلاً حقيقيًّا طبيعيًّا بالجسد والدم، مستبقةً في ذاتها إلى حدّ ما، ما يحصل سرّيًّا في كلّ مؤمن يتناول، تحت أعراض الخبز والخمر، جسد الربّ ودمه.
هناك إذًا تشابه عميق بين "فليكن لي بحسب قولك"، جواب مريم لكلمات الملاك، وبين الـ"آمين" التي يلفظها كلّ مؤمن عند تناوله جسد الربّ. طُلب من مريم أن تؤمن بأنّ الّذي حبلت به "بقوّة الرُّوح القدس" كان "ابن الله"، وتماشيًا مع إيمان مريم، يُطلب منّا أن نؤمن، في السرّ الإفخارستيّ، بأنّ الرّب يسوع هذا نفسه، ابن الله وابن مريم، يجعل ذاته حاضرًا بكمال كيانه البشريّ والإلهيّ، تحت أعراض الخبز والخمر. "طوبى للّتي آمنت"
"فقالَ الجَمعُ الذي كان حاضرًا وسَمِعَ الصوت: إنّه دَوِيُّ رَعْد". وكان الصوت جليًّا، ومعنى هذه الكلمات سهل الفهم، لكنّها لم تتركْ إلاّ انطباعًا غامضًا لدى أصحاب الأذهان الفظّة والماديّة والغليظة. لم ينتَبِهْ البعض إلاّ للدويّ الذي أحدَثَه الصوت، فيما لاحظَ البعض الآخر أنّه كان صوت كلمات لكنّه عَجِزَ عن فهم معناها، وقد أشارَ إليهم الإنجيليّ حين أضافَ: "وقالَ آخرون: إنّ ملاكًا كلَّمَه... أجابَ يسوع: لم يَكنْ هذا الصوتُ لأجلي، بل لأجلِكُم"...
لم يَنطَلقْ هذا الصوت ليُخبِرَ المخلِّص بما كان يعرفُه أصلاً، بل ليَمنحَ المعرفة للذين كانوا يحتاجون إليها. وكما أنّ هذا الصوت لم يَنطَلقْ لأجله، بل لأجلنا، كذلك لم يَسمحْ لنفسِهِ أن تَضطَربَ لأجله، بل لأجل معرفتنا. لقد سُمِعَ صوت الآب ليُجيبَ على ما كانوا يقولونَه باستمرار: إنّ يسوع النّاصري ليس من الله، فكيف يمكن لله أن يمجِّدَ مَن لا يأتي من الله؟ هكذا، ترون أنّ كلّ الأعمال المتَّسِمَة بالتواضع إنّما صُنِعَت لأجل الإنسان، لا لأجل الابن الذي لم يكن يحتاج إليها على الإطلاق.