التربص بغزة.. 2/2
لو أنصفت إسرائيل لبادرت ورفعت يدها عن غزة، وأوقفت رغبتها العارمة فى التحرش بها. ويأتى هذا فى أعقاب المعركة الأخيرة التى بدأت فى السابع من أكتوبر الماضى واستمرت على مدى أكثر من شهر ولم تحرز فيها إسرائيل نصراً يشجعها على الاستمرار فيها. لا سيما بعد التسريبات التى أشارت إلى أن عدد القتلى من جنود إسرائيل يزيد بكثير عما أعلنته إسرائيل، وأن عدد الجرحى قد يصل إلى اثنى عشر ألفاً. ولهذا حمل الإسرائيليون نتنياهو وزر هذه الحرب التى ورطهم فيها، ومن ثم جرى تقييم موقفه على أنه لا يبالى بأرواح جنوده. لا سيما وقد ثبت أن غزة مقبرة للإسرائيليين، ولهذا تتصاعد الدعوات فى الكيان الصهيونى ضد كل من «بنيامين نتنياهو» الذى انساق إلى معركة كانت صادمة لبنى جلدته، و«جو بايدن» الفاتر الفاشل الذى ألحق جنوده بهذه المعركة على أمل أن يحرز مكاسب يتحدى بها روسيا، وتعينه على الفوز فى الانتخابات الرئاسية العام القادم 2024
إنها إسرائيل التى أعطتها الولايات المتحدة الضوء الأخضر لاقتلاع حركة حماس، ولهذا بادر «بايدن» وصرح علناً بأن أمريكا تعارض وقف إطلاق النار، ومن ثم تبخرت آمال « محمود عباس» الذى دعا «بايدن» إلى تحمّل مسئوليته الخاصة للتدخل الفورى لوقف العدوان الإسرائيلى الذى يمثل الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى. لقد ثبت اليوم بأن ما يحدث الآن هو تدمير ممنهج لشمال قطاع غزة، ويؤكد هذا تصريحات «نتنياهو» عندما تحدث عن أن ما يهدف إليه الاحتلال هو اقتلاع سلطة السلطة الفلسطينية من غزة كلية، وقد علل ذلك عندما قال : (بأنها غير قادرة على تحمل المسئولية فى القطاع، كما أن حكم السلطة الفلسطينية تشوبه أعمال الفساد وعدم المهنية وغياب السيطرة فى العديد من المناطق مما يشكل تهديداً على مواطنى إسرائيل).
واليوم يثور السؤال: هل بات قطاع غزة على شفا كارثة بيئية وإنسانية؟ وهو التساؤل الذى أصبح اليوم حقيقة يعيشها الفلسطينيون بعد أن أحكمت إسرائيل الحصار عليهم، وبدا «نتنياهو» وكأنه اتخذ قراراً بإبادتهم ودون تمييز؟، والنموذج الوقائع التى جرت فى مستشفى الشفاء الذى بات منطقة موت وغرق فى ظلام دامس، وأصبح مرضاه فى وضع مأساوى. وخرج «نتنياهو» يعلنها صريحة عندما قال: (لا نوافق على أى وقف لإطلاق النار، ولكن سنوافق فقط على وقف مؤقت لإعادة المحتجزين لدى حماس).
وفى إطار الحرص على شعب دولة إسرائيل طالبت دعوات بأنه يتعين على إسرائيل أن تقاوم عودة مئات الآلاف من الغزاويين الذين نزحوا إلى جنوبى القطاع، يتعين بذل الجهود لتشجيعهم على الانتقال من القطاع إلى سيناء. ولقد رسموا سيناريو إجلاء الغزاويين من القطاع إلى سيناء، وأنه لهذا يجب على الكيان الصهيونى بذل كل الجهود لتشجيع الفلسطينيين على الانتقال إلى سيناء، لا سيما أن عامل ضغط الوقت من شأنه أن يؤدى إلى زيادة التوتر عند الحدود مع مصر بين الغزاويين وقوات الأمن المصرية، الأمر الذى قد يؤدى إلى تقديم تنازلات أو إلى محاولات اللاجئين لدخول مصر بالقوة وبأى ثمن.
الجدير بالذكر أنه إذا تم تنفيذ سيناريو إجلاء الفلسطينيين فسوف يقدم للكيان الصهيونى ما يتطلع إليه من تحقيق فرصة تاريخية لا مثيل لها يتم من خلالها إعادة تشكيل مشهد التهديد، وتغيير التوازن الديموغرافى فى المنطقة، بل وتصحيح ما تروج له الصهيونية من الظلم الأخلاقى والاستراتيجى المرتبط بخطة فك الارتباط بغزة التى جرت عام 2005، والتى تم بموجبها إخراج نحو تسعة آلاف مواطن إسرائيلى من بيوتهم فى القطاع.