المطران عطالله حنا: ما تقوم به إسرائيل تطهير عرقي.. وادعاءات أنها تدافع عن نفسها إسطوانة ”مشروخة”.. والكيان الصهيوني يستهدف الحضور المسيحي.. وعلى المجتمع الدولى الإنصات لصوت العدل ونصرة أصحاب الأرض
مر أكثر من ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب في غزة بين قوات حماس وقوات الكيان الصهيوني، ومازال المدنيون العزل يدفعون الثمن بمئات القتلة والجرحى يوميًا وعائلات بين ليلة وضحاها تصبح بلا مأوى، ويأتي ذلك وسط استعدادت قوات الإحتلال في الوقت الحالي لتنفيذ عملية الإجتياح البري لقطاع غزة، في ظل استمرار التضيق في وصول السبل المعيشية الأساسية من الماء والغذاء والدواء والوقود إلى أهالي غزة.
وحرصت "البوابة نيوز" في ظل هذه الأجواء العصيبة على التواصل مع المطران عطالله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثودكس بالقدس؛ للاستماع له حول تلك الأزمة الراهنة، وهو يُمثل أحد أكثر القيادات الدينية في العالم الذين تحدثوا عن القضية الفلسطينية وحقوق أبنائها.. وإلى نص الحوار:
- كيف ترى الإحتلال الصهيوني؟
بدأت المؤامرة على شعبنا منذ وعد بلفور، وحقيقةً الشعب الفلسطيني يعاني من الإحتلال إلى هذه الساعة، حيث وصلت الآن ذُروة الإحتلال والوحشية في غزة؛ فمن خلال هذا العدوان على غزة الأبية أظهرت إلى العالم بأسره بأن هذا الإحتلال همجي وعنصري، إنما هو يستهدف الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وخلال هذه السنوات منذ وعد بلفور وحتى اليوم تعرض الفلسطينون إلى الكثير من النكسات والنكبات، ومازالوا يتعرضون اليوم للمؤامرات والمشاريع الهادفة إلى تصفية، ولكن الفلسطينون مازالوا صامدون وثابتون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأرضهم المقدسة، هذه الأرض المباركة وخاصةً القدس الحاضنة لأهم المقدسات والعراقة والأصالة في التاريخ، نحن على يقين أن لكل استعمار في العالم له بداية وله نهاية، وهذا الإحتلال سوف يزول لينعم الشعب الفلسطيني بالحرية التي طال إنتظارها.
- من وجهة نظر نيافتكم ما هى أهداف الإحتلال الآن؟ وهل هى القضاء على حماس بالفعل؟
ما يحدث اليوم في غزة، هدفه إستهداف الشعب الفلسطيني كله، وهؤلاء الذين يقتلون الآن هم المدنيون المسالمين، السياسة الإسرائيلية المتبعة حاليًا في غزة هى سياسة التطهير العرقي، هى سياسة تدمير كل شيء، هى سياسة القضاء على ما بقى من غزة، ونحن نعلم أن غزة قد تعرضت للكثير من الحروب خلال السنوات الماضية، ولكن هذه المرة الحرب هى أكثر عدوانيةً وشراسةً من أى وقتًا مضى إن هذا العدوان الإسرائيلي هو على كل الشعب الفلسطيني وليس على جهة دون الأخرى ونحن نطالب أن يتوقف هذا العدوان حقنًا للدماء ووقفًا للخراب.
طبعًا، إسرائيل تلعب دومًا دور الضحية وكأنها هى ضحية الإرهاب الفلسطيني في حين أنها من خلال عدوانها وسياستها إنما تجسد الإرهاب، ما تقوم به إسرائيل اليوم هو الإرهاب بعينه، ولكن يا للأسف هناك "تطبيلًا" إعلامي في كل أرجاء العالم من خلال أبواق إسرائيل وأصدقائها ولكن انا أعتقد أنه أصبح اليوم هناك شرائح كبيرة في العالم بدأت تفهم بدتفهم ما يتعرض له الفلسطينيين، وإن الدعاية الإسرائيلية لن تنجح، إنها تنجح في فترة معينة فقط، وأعتقد أن الصور التي تنتشر من غزة ويراها العالم هى كفيلة أن تؤثر على الرأى العالمي.
- تبرر إسرائيل ضرباتها الآن للمجتمع الدولي بأنها تدافع عن نفسها أمام ما تصفه "بالدواعش الجدد".. كيف ترى ذلك وهل هم نجحوا في اقناع العالم في هذا الأمر؟
حقيقةً ما تقوم به إسرائيل حاليًا إنما هو تطهير عرقي للشعب الفلسطيني بادعاء أنها تدافع عن نفسها، وهذه مقولة "مشروخة" ومعروفة لدى الكثيريين؛ فإسرائيل هدفها الأساسي هو تصفية القضية الفلسطينية، ونحن ككنيسة أعلنا ونعلن دائمًا أننا نرفض الإرهاب ونرفض العنف، ونرفض الحروب ونرفض كل المظاهر الدموية، نحن أبناء الحياة وليس أبناء الموت، وبالتالي لا يمكننا أن نقبل بالحروب ولا يمكننا أن نقبل بالعنف والقتل، نحن نرفض الإرهاب والقتل والعنف والحروب واستهداف المدنيين ايًا كان انتماءهم وانحيازنا هو للانسانية فكل إنسان في هذا العالم بغض النظر عن دينه او قوميته يحق له أن يعيش بسلام، والحرب هى من صنع الشيطان يستهدف كل قيمة إنسانية، وكل قيمة حضارية، وكل قيمة أخلاقية.
وبالتالي نحن نعتقد أن من خلال ما تقوم به إسرائيل ربما استطاعت أن تقنع شريحة كبيرة في هذا العالم أنها تدافع عن نفسها ولكن أعتقد أن العالم سيتغير وذلك قريبًا لأن الصور المروعة التي تخرج من غزة للدمار والخراب والدماء والأشلاء هى كفيلة أن تؤثر على الرأي العالمي، ومن هنا أود أن أتحدث عن ضرورة رأيكم كإعلاميين في السوشيال ميديا وفي الإعلام وفي كل منصات التواصل الإجتماعي في إيصال الصورة إلى العالم، يجب أن نقاوم سياسة التضليل والتزوير الإسرائيلية بأن نوصل الحقيقة، والحقيقية لوحدها تكفى لقلب الموازيين.
- كشف عن تهديدات وجهت لكنيسة "بورفيروس" قبل أن تقصف، حدثنا عن كواليس تلك التهديدات وكيف رأيت هذا القصف؟
نعم، في أولى أيام الحرب هناك جهة خارجية طلبت من المطران الكسيوس والأب سيلا بأن يخرجا من غزة من أجل الحفاظ على سلاماتهما وبأنه سوف يتم تأمين عملية الخروج الآمن لهما ولكنهما رفضا هذا العرض وقالا بأننا لن نترك كنيستنا ولن نترك شعبنا وأبناء رعيتنا، نحن هنا باقون رغما عن كل التهديدات والصعوبات والمخاطر.
وإن استهداف كنيسة بورفيروس الأرثوذكسية لغزة هو استهداف للحضور المسيحي في فلسطين ورسالة تهديد ووعيد وترهيب وتخويف لكل المسيحيين الباقيين في بلدهم ووطنهم تنص على "أحملوا أمتعتكم وغادروا بلدكم"، كما أن الإعتداء على هذه الكنيسة التاريخية في غزة هو اعتداء على غزة كلها واعتداء على الشعب الفلسطيني؛ فقد تم الاعتداء على كل شيء في غزة من الأبنية السكنية والمستشفيات والكنائس المساجد؛ فهم يريدون أن يجعلوا من غزة أرضًا محروقة، أبنائنا الذين لجئُوا إلى كنيسة بورفيروس ظنوا أنها مكان أمن ولكن يا للأسف في ظل هذا العدوان الهمجي، لا توجد هناك أماكن فدور العبادة كلها كنائس وجوامع كل شيء في غزة مستهدف من قبل هذه الالات العسكرية المدعومة غربيًا وأمريكيًا.
- من وجهة نظرك من بيده أن إيقاف تلك المجزرة؟
من أبتدأ هذه المجزرة هو من يجب أن يوقفها، الأحتلال هو الذي بدأ الحرب على الشعب الفلسطيني، وأرى أنه يجب أن يوقف هذ العدوان، ولكن هذا يحتاج إلى تحرك عربي أكثر فاعلية ويحتاج إلى ضغوطات عالمية، واليوم يجب مخاطبة شعوب العالم بشكل فاعل وأقوى لكي نؤثر على الرأى العالمي.
شعوب العالم اليوم بدأت تتغير وتتبدل وبدأت تتسع رقعت المتفهمين لهذه المأساة، مظاهرات في سائر العواصم والدول، أعتقد أن هذه الضغوطات من شأنها أن تساهم وتساعد في ردع هذا العدوان، للأسف الشديد، كل يوم جديد يكون لدينا شهداء جدد، عندنا دمار أكثر؛ لذلك نحن نُناشد ونطالب كما أعلنت الكنائس المسيحية في القدس بأن يتوقف هذا العدوان اليوم اليوم وليس غدًا، حقنًا للدماء ووقفًا للخراب.
- وفي الختام، هل هناك رسالة تُريد أن توجها إلى العالم؟
من خلالكم نوجه نداءً حارًا إلى كافة الأحرار في العالم، وإلى كافة المؤسسات الدينية والحقوقية والإنسانية وفي كافة الأقطار والقارات، بضرورة العمل السريع، من أجل وقف هذا العدوان، كفانا دماءً دمارًا وأحزانًا ودموعًا وتيتمًا، في غزة هناك كارثة إنسانية، في غزة هناك تصفية لشعب، في غزة هناك قصف للكنائس والمساجد والمستشفيات وكل شيء، وكل من يبقى هنا يتم قصفه.
اوقفوا هذا العدوان فكفانا آلاما واحزانا ودماء ودموعا وهذه الهمجية لا يمكن ان يستوعبها اي عقل بشري وهي سياسة عقاب جماعي بحق شعب حوصر لاكثر من عشرين عاما وبعد كل هذه السنوات الطويلة من التنكيل والحصار والتجويع والحروب يأتي هذا العدوان المروع الذي نتمنى ونطالب بأن يتوقف اليوم اليوم وليس غدًا.
ومع كل دقيقة تمر يزداد الشهداء وتزداد رقعة الدمار والخراب أناشد كل إنسان لديه أخلاق وإنسانية في هذا العالم بأن يتحرك نصرةً لهذا الشعب المظلوم، ونداء الإستغاثة هذا من رحاب القدس إليكم جميعًا.