رحاب عبدالله تكتب: أكتوبر.. الأسطورة لن تموت
فى عام ٢٠١٧ وخلال أعمال الحفر ضمن المشروعات القومية التى يتم تنفيذها بسيناء لإقامة طريق تم العثور على رفات جندى مصرى والتعرف على هويته من خلال بطاقته الشخصية التى كانت كل ما تبقى لديه لتخبر عن بطولة عبدالحميد محمد عبدالحميد أحد أبناء محافظة الفيوم مواليد عام ١٩٤٢، الذى فقد خلال الحرب وظلت أخباره مجهولة لخمسين عاماً.
فى الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، ما زالت هناك بطولات وأسرار ما زلنا لا نعلم عنها شيئاً، ولمَ لا؟ فأكتوبر ليست مجرد حرب أو عملية عسكرية أو مجرد قائد، وإنما هى ملحمة بطولية نفذها شعب مصر بأكمله ما بين ضباط وجنود القوات المسلحة البواسل وبين المواطنين والأمهات اللاتى قاسين الويلات لتقديم أبنائهن فداء للوطن. وما أصعب أن تضحى الأم بابنها فهو شعور لو تعلمون عظيم... والفتيات اللاتى انتظرن أحبابهن يعودون بين أمل ورجاء لا يجدن سلوى سوى التطوع فى الهلال الأحمر لإنقاذ المصابين من الجنود من الموت أملاً أن يعثروا على ذويهن بينهم ذات يوم.
مخطئ من ظن أن أكتوبر هى مجرد ساعات استغرقها المصريون فى عبور القناة وتحطيم خط بارليف، فهذه الساعات كانت فقط بمثابة «الهرم الذهبى» الذى استقر فوق القمة، ليعلن نهاية بناء هرم ضخم من عجائب الدنيا، ولكنه ليس من الحجارة بل من دماء وصبر وتضحية هذا الشعب.
منذ سنوات ليست ببعيدة كنت أستعد من خلال الجريدة التى أعمل بها لتجهيز ملف صحفى استعداداً لذكرى أكتوبر المجيدة، وكنت أبحث بين الأبطال لرواية قصص جديدة عن أبطال لم نعرفهم بعد لتدوَّن وتؤرخ وتضاف داخل ملفات البطولة، فالتقيت باللواء حامد فتوح، أحد أبطال الاستطلاع خلف خطوط العدو، ولا أخفى عليكم كيف جعلتنى قصته أشعر أننا مقصرون فى تقدير هؤلاء الأبطال. فقد قضى هذا البطل ست سنوات من عمره داخل كهف بدائى متخفياً فى زى عربى من بدو سيناء لا يعلم بوجوده وطبيعة مهمته إلا رجل من أهالى سيناء وطفله اللذان كانا يحملان الطعام والمياه له كل ١٥ يوماً.
البطل حامد فتوح الذى لم يتمكن من العودة لمحافظته الإسكندرية خشية مواجهة أهله وأصدقائه عقب النكسة عام ١٩٦٧ طلب أن يفعل أى شىء مقسماً ألا يعود ويضع عينه فى عين أى مصرى قبل رد الشرف والكرامة فتم توليته مهمة الاستطلاع خلف خطوط العدو، ليذهب بمحض إرادته لهذا الكهف.
ويقرر البقاء فيه حتى تحقيق النصر الذى لم يكن يعلم وقتها متى سيتحقق، فيبقى وحيداً بلا شخص يؤنسه أو يتحدث إليه، بلا أصدقاء، بلا حياة، حتى ملابسه بُليت ونعلاه لم يعودا يتحملانه لينفذ مهمة وحيدة خلال الليل يتسلل خلف خطوط العدو الصهيونى ليرسم ويلتقط الصور للموانئ والمعسكرات الخاصة بالجيش الإسرائيلى ويرسلها عبر جهاز صغير كان يخبئه فى كهفه المظلم.
هكذا كان حال كل ضابط وجندى فى الجيش المصرى.. كل مواطن.. طلاب الجامعات كل أم وزوجة.. ٦ سنوات من النكسة للنصر أمضاها شعب مصر فى الاستعداد للحرب.. عمليات نفذتها المخابرات المصرية بزرع أبطال فى قلب بلاد العدو.
وعمليات أخرى للقوات المسلحة على جبهات القتال.. تضحيات فى كل بيت وفوق كل حبة رمال.. معركة ثغرة الدفرسوار وحصار الجنود المصريين لأيام يحفرون الأرض ويدفنون أنفسهم بداخلها ليحموا أرواحهم من قصف العدو.. أيام بداخل الرمال دون طعام أو حتى شربة ماء... تحيا أكتوبر المجيدة ويعيش أبطالها فى القلوب ما دام هذا الوطن ينبض بالمخلصين.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1694518953288-0'); });