حسن الرشيدى.. رحيلك أدمى قلبي!
لا يموت المرء منا دفعة واحدة.. وإنما يموت جزءًا جزءًا.. كلما رحل حبيب أو غادر رفيق فقدت الحياة شيئًا من بهجتها ولذتها؛ فالخليل الصالح رزق من الله، مرآة حقيقية ترى فيها نفسك؛ عيوبك قبل محاسنك.. رفقاء الزمن الجميل.. يرحلون واحدًا تلو الآخر.. آخرهم حسن الرشيدي الذي هو واحد من أعز صحبتي في بلاط صاحبة الجلالة..
جمعتنا زمالة دار التحرير للطبع والنشر وعضوية نقابة الصحفيين، ترقينا لنائب رئيس تحرير الجمهورية وتشاركنا في مكتب واحد تحت سقفها.. سافرنا معًا للخارج في رحلة أوائل الثانوية العامة التي تحرص جريدة الجمهورية على تنظيمها سنويًا حتى اليوم..
Advertisements
كما سافرنا معا إلى روسيا البيضاء للحصول على الماجستير والدكتوارة وبالفعل حصلنا عليهما، وقام رئيس روسيا البيضاء الذي لا يزال على رأس الحكم بتكريمنا، وأجرينا معه حوارًا صحفيًا شاملًا أذاعه التليفزيون وقتها.. ورغم ذلك لم نحرص على أن تسبق أسماءنا لقب دكتور واكتفينا بلقب صحفي اعتزازًا به.
رحلة كفاح حسن الرشيدي
جمعتنا الأحلام والطموحات.. والمتاعب والهموم المهنية.. جمعنا الكفاح والجهد والهموم العامة، تشاركنا في العمل النقابي فقد كان الرشيدي عضوًا بمجلس نقابة الصحفيين وكنت سكرتيرها العام وخضنا مع الجماعة الصحفية؛ معركة حامية ضد القانون 93 المشبوه الذي استهدف اغتيال الصحافة حتى نجحنا في إسقاطه.
سطًر حسن الرشيدي رحلة كفاح توجت برئاسته مجلس إدارة دار التعاون بينما توليت أنا رئاسة مجلس إدارة دار التحرير ورئاسة تحرير كتاب الجمهورية.. لكننا بقينا على تواصل دائم لم يتوقف أبدًا بل زاد حين ابتلى بمرض عضال تحمله بصبر ورضا وإيمان..
أدعو الله أن يجعله في ميزان حسناته وأن يجعله من شهداء الآخرة الذين فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري ومسلم، والمبطون كما قال أهل العلم هو صاحب داء البطن، ويذهب أرجح الأقوال إلى أن كل داء يصيب الجوف ويؤدي إلى الموت، بغض النظر عن اسمه وصفته فصاحبه مبطون.
حسن كان له من اسمه نصيب؛ فقد حباه الله حُسنا وطلاقة في الوجه وكانت ابتسامته تدخل السرور إلى نفسي وتزيده نضارة وإشراقًا.. كما عرفته حسن الخلق، طيب الخصال، رقيق القلب، لين الطباع لا يعرف الكره لقلبه سبيلًا بل كان يملك قوة نفسية ومقدرة على التسامح تمنعه من الإمعان في الخصومة. كان محبًا للناس، صديقًا للجميع ولا أعرف أحدًا ناصبه الكراهية.
امتحنه الله بالمرض فصبر ورغم قسوة الآلام لكنه تماسك.. وكنت دائم الاتصال به نتجاذب أطراف الحديث، حاولت قدر الطاقة مواساته وطمأنته والتخفيف عنه لكن شراسة المرض كانت تزداد حتى أسلم الرفيق روحه لبارئه راضيًا مرضيًا..
رحل وترك في القلب حزنًا وألمًا يجعلني أردد مع الشاعر قوله:
أَخٌ لِي لَو دَعَوتُ أَجَابَ صَوتِي وَكنتُ مُجيبَه أنّى دَعَانِي
فَقَد أَفنَى البُكَاءُ عَلَيهِ دَمعِي وَ لَو أَنّي الفَقِيدُ إِذًا بَكَانِي
مَضَى لِسبِيلِهِ لَم يُعطِ ضَيمًا وَ لَم تَرهَب غَوَائِلُهُ الأَدَاني
ولا نقول إلا ما يرضى ربنا.. ولا أملك يا رفيقي إلا أن أدعو الله أن يرحمك رحمة واسعة جزاء صبرك, وأن يجعلك ممن قال فيهم "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي" (الفجر:27-30).