إيلى حاتم يكتب: نحو عالم جديد حر (4).. الأمم المتحدة تحتاج إلى إعادة هيكلة مع تطوير.. نظام قضائى دولى وفق المبادئ والأعراف الدولية
توقفنا فى نهاية الحلقة السابقة من هذه الدراسة، عند ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، عن مساعدة عسكرية إسرائيلية لجماعة داعش، حيث أشاد معتصم الجولانى المتحدث باسم الجماعة المسلحة المسماة «مقاتلى الجولان» بإسرائيل لوقوفها بشجاعة إلى جانبنا، لولا مساعدة إسرائيل، لما تمكنا أبدا من مواجهة الجيش السورى، بينما كشف رفيقه فى القتال أبوسهيل عن المبلغ الذى دفعته إسرائيل كمرتب: "كقائد، أتقاضى راتبا سنويا قدره ٥٠٠٠ دولار تدفعه إسرائيل.
هذا السلوك الإسرائيلى من شأنه أن يؤكد التطابق بين العمل الذى قام به داعش على الأرض وخطة كشفها الأستاذ الإسرائيلى يسرائيل شاحاك، والتى بموجبها تفضل إسرائيل إنشاء دويلات معادية فى العالم العربى تكون ضعيفة للغاية، منقسمة للغاية بحيث لا يمكن معارضتها بشكل فعال: «يجب أن يكون تجزئة سوريا والعراق إلى مناطق محددة على أساس معايير عرقية أو دينية أولوية طويلة الأجل لإسرائيل، والخطوة الأولى هى تدمير القوة العسكرية لهذه الدول الغنية بالنفط وتمزيقها وتعميق الصراعات الداخلية، العراق فى مرمى نيران إسرائيل، حله سيكون أكثر أهمية بالنسبة لنا من حل سوريا، لأنه يمثل أخطر تهديد قصير المدى لإسرائيل».
أخيرا، ليس من غير المثير تذكر الروابط بين إسرائيل وجبهة النصرة التى نددت بها الأمم المتحدة، وهكذا، فى ١١ ديسمبر ٢٠١٤، كشف الأمين العام السابق للمنظمة العالمية فى تقريره الفصلى لمجلس الأمن عن هذه الروابط لأكثر من ١٨ شهرا، مما سهل العلاج الطبى للمقاتلين الجرحى، بالإضافة إلى ذلك، فى مايو ٢٠١٧، وثق تقرير آخر للأمم المتحدة سلسلة اجتماعات ١٦ لقاء بين ممثلين عسكريين إسرائيليين وقادة داعش بالقرب من الحدود السورية، وخاصة فى منطقة القنيطرة وفى مرتفعات الجولان الوسطى، بين ١٨ نوفمبر ٢٠١٦ و١ مارس ٢٠١٧.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن إسرائيل لم تهاجم أبدا داعش فى سوريا، بينما قصفت مواقع للجيش السورى فى دمشق، لا سيما فى محيط المطار الدولى للعاصمة السورية بحجة وجوده. من العناصر العسكرية الإيرانية.
ومع ذلك، إذا كان وجود هذه العناصر حقيقيا، فقد كان يهدف إلى مساعدة الجيش النظامى السورى والقوات الروسية الموجودة فى سوريا بناء على طلب الحكومة السورية لمحاربة الجماعات العسكرية الإسلامية.
فى مواجهة تعقيدات الصراع وظهور داعش، طلب الرئيس بشار الأسد رسميا تدخلا عسكريا من روسيا للمساعدة فى حماية مؤسسات سوريا وسلامة أراضيها، فى الواقع، كانت الحرب مستعرة منذ عدة سنوات وظهور الجماعة الإرهابية، المعروفة باسم داعش، زاد من تعقيد الوضع، كانت الحكومة السورية تكافح من أجل الحفاظ على سيطرتها على أراضيها ومؤسساتها فى مواجهة معارضة شديدة من مختلف الجماعات المتمردة والفصائل المتطرفة.
بالنظر إلى الطبيعة المعقدة للصراع ووجود جهات أجنبية، لم يكن لدى الرئيس الأسد خيار آخر سوى طلب المساعدة العسكرية من حليفته روسيا، كان الهدف من التدخل مساعدة الجيش السورى على استعادة السيطرة على المناطق الرئيسية وحماية وحدة أراضى البلاد. كان هذا التدخل الملاذ الأخير لحماية الشعب السورى ومؤسسات البلاد من المزيد من الأذى.
بدأ التدخل العسكرى الروسى فى سوريا فى سبتمبر ٢٠١٥ وشمل ضربات جوية وعمليات برية لدعم الحكومة السورية. ساعد هذا التدخل فى قلب دفة الحرب وسمح للجيش السورى باستعادة السيطرة على المناطق الرئيسية التى كانت تحت سيطرة الجماعات المتمردة والمتطرفة.
بفضل الجهود التى بذلتها روسيا وإيران، استطاعت سوريا الحفاظ على مؤسساتها على الرغم من حرب دموية رهيبة دفع فيها المدنيون والأبرياء ثمن التدخل الأجنبى الهادف إلى خلق توترات ليس فقط فى هذا البلد ولكن فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
اليوم، سوريا فى طريقها لاستعادة مكانتها فى جامعة الدول العربية، فى هذا العصر الجديد الذى ينفتح فى العلاقات بين مختلف دول منطقة الشرق الأوسط مثل تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، والمصالحة بين إيران والسعودية، وحل النزاع الأخوى الدموى بين الأخيرة واليمن.
هذه الجهود ونجاح المشروع الروسى فى سوريا، الذى أحبط المشاريع السياسية الأمريكية فى هذه المنطقة من العالم وامتدادها إلى القارة الأوروبية، أزعج واشنطن، أصبحت روسيا الآن لاعبا قويا على الساحة الدولية، وقد تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع القوى الأخرى فى هذه المنطقة، بما فى ذلك إيران وإسرائيل وتركيا والسعودية ودول الخليج ومصر منذ عام ٢٠١٤، سرعان ما أصبح هدفا للولايات المتحدة، مثل الصين، بهدف إسقاطها.
نظرا لأن الأمريكيين يرون الصين والعالم الآسيوى تهديدا اقتصاديا وتكنولوجيا، فإنهم يرون فى روسيا خطرا آخر: تحدى العولمة والدفاع عن الهويات الثقافية والوطنية، فضلا عن الدفاع عن سيادة الدولة والجهود المبذولة لإحياء المجتمع الدولى. القانون الذى طالما تم تهميشه لصالح الانتهازية السياسية.
حرمة القانون الدولى العام
إن الوضع الحالى للشئون الدولية أقرب إلى أدغال فوضوية وخالية من القانون، يعود هذا جزئيا إلى التدهور المطرد للقانون الدولى العام، الذى حل محله الانتهازية السياسية التى تحكم المجتمع الدولى منذ نهاية الاستقطاب الثنائى.،ومع ذلك، كان للعصر السابق ميزة الحفاظ على توازن دقيق والسماح باستخدام القانون لاستعادة حالات الصراع.
صحيح أن تطبيق القانون الدولى العام لم يكن مثاليا على الإطلاق بسبب هشاشة الموضوع، والذى تطور بشكل أساسى خلال القرن العشرين، ومع ذلك، كان هناك أمل فى أن يتم تطبيقه واحترامه من قبل الدول، الجهات الفاعلة الرئيسية فى العلاقات الدولية.
قدم ميثاق الأمم المتحدة بصيص أمل من خلال تقنين المبادئ الأساسية التى ينبغى أن توجه المجتمع الدولى، بما فى ذلك سيادة الدول والمساواة بين الدول المادة ٢ (١) من الميثاق، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية المادة ٢ (٧) من الميثاق، وعدم استخدام العنف فى العلاقات الدولية المادة ٢ (٤) من الميثاق، والتسوية السلمية للنزاعات الدولية المادة ٢ (٣) من الميثاق.
ومع ذلك، منذ نهاية الاستقطاب الثنائى وظهور الولايات المتحدة كشرطى فى العالم، تعرض القانون الدولى العام لانتهاكات متزايدة ومستمرة، وحلت الانتهازية السياسية محل سيادة القانون، مع الاستخدام الجزئى لبعض الأحكام بطريقة تفسيرية تعمل على إخفاء الانتهاك الذاتى للقانون.
أصبحت الهيئة الرئيسية المسئولة عن مراقبة وضمان تنفيذ المعايير الدولية من خلال المعاقبة على أى انتهاك لهذه القواعد والمبادئ، وهى الأمم المتحدة وهيئاتها الفرعية، غير فعالة بسبب هيكل هذه الهيئات وطريقة عملها.
على سبيل المثال، تمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصا جزئيا فقط بسبب عدم التزام عدد من الدول بنظامها الأساسى، بما فى ذلك الولايات المتحدة، لقد أتقنت الولايات المتحدة عملية إعفاء نفسها من اختصاص هذه الهيئة القضائية الدولية من خلال إبرام معاهدات ثنائية مع الدول الخاضعة لنظام روما الأساسى الذى أنشأ المحكمة فى عام ١٩٩٨.
وبموجب هذه المعاهدات، ظل الأفراد المتهمون والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية غير منزعج، وقد التزمت الدول التى انضمت إلى النظام الأساسى لهذه المحكمة، تطبيقا لهذه المعاهدات الثنائية، بعدم تسليم المواطنين الأمريكيين إلى هذه الولاية القضائية.
منذ عام ١٩٨٩، تاريخ سقوط الاتحاد السوفيتى السابق، ضاعفت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية المباشرة، فى انتهاك لمبادئ عدم استخدام العنف فى العلاقات الدولية وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول.
يمكننا الاستشهاد ببعض هذه التدخلات: غزو بنما فى عام ١٩٨٩، والتدخل فى الخليج العربى الفارسى فى عامى ١٩٩٠ و١٩٩١، والتدخل العسكرى فى الصومال فى عامى ١٩٩٢ و١٩٩٣، والتدخلات المختلفة فى البوسنة وكوسوفو فى التسعينيات، التدخل فى أفغانستان بعد ١١ سبتمبر، والعمليات التى نفذت فى ليبيا تحت غطاء الناتو عام ٢٠١١، وخاصة غزو العراق عام ٢٠٠٣، وكذلك التدخلات العسكرية المستمرة فى ذلك البلد وفى سوريا منذ ٢٠١٤.
ومع ذلك، فإن التدخل الأكثر إثارة الذى يظهر الانتهاك الصارخ والمتغطرس للقانون العام الدولى من قبل الولايات المتحدة يظل غزو العراق عام ٢٠٠٣ بذرائع كاذبة، ورغم اكتشاف هذه الادعاءات الكاذبة، استمرت قوات الاحتلال الأمريكية فى احتلالها للبلاد.
ليس من المهم مقارنة هذا الوضع مع أوكرانيا
زعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها، وخاصة بريطانيا العظمى، أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين من أجل تبرير تدخلها العسكرى.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الأراضى العراقية بعيدة جدا عن الولايات المتحدة، لذلك، حتى لو امتلك العراق هذه الأسلحة، فإن هذا الوضع لم يهدد الأراضى الأمريكية.
علاوة على ذلك، لم ترتكب الحكومة العراقية أى عمل غير مشروع يمكن أن يبرر تدخلا وقائيا من قبل الولايات المتحدة دون الحصول على موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فى الواقع، على الرغم من أن فرنسا حليفة للولايات المتحدة داخل الناتو، فقد عارضت هذه العملية التى لم تكن أكثر من غزو خالص دون مبرر، إنه مخالف تماما للقانون الدولى، الذى ينص على أنه فى حالات اللجوء الاستثنائى إلى القوة على النحو المنصوص عليه فى الميثاق بموجب تفويض من مجلس الأمن أو الجمعية العامة، أو فى حالة الدفاع عن النفس الفردى أو الجماعى للتعامل مع وجود عدوان أو تهديد وشيك بمثل هذا العدوان، يجب أن ينتهى التدخل حالما يتم حل التهديد بفعل دولى غير مشروع، فى هذه الحالة العدوان أو التهديد بالعدوان.
قياسا على العملية الروسية فى أوكرانيا، يجب التأكيد على أن هذا البلد يقع على حدود روسيا، منذ عام ٢٠١٢، تم زعزعة استقرارها من قبل القوة الناعمة الأمريكية، مثل العديد من البلدان فى أوروبا الشرقية، بما فى ذلك بولندا ودول البلطيق ومقدونيا وما إلى ذلك، فقد أصبحت رابطا تابعا لواشنطن، كما يتضح من الملاحظات السرية المتبادلة بين السلطات الأوكرانية والأمريكية، بما فى ذلك المراسلات بين جورج سوروس والرئيس بترو بوروشينكو ورئيس وزرائه أرسينى ياتسينيوك فى عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤، ووصول الممثل الكوميدى فولوديمير زيلينسكى إلى السلطة عزز هذا الموقف الأمريكى على أبواب موسكو فقط.
ازدادت الانتهاكات العسكرية ضد السكان الناطقين بالروسية فى أوكرانيا، فى انتهاك لبروتوكول مينسك المؤرخ ٥ سبتمبر ٢٠١٤، وقد ارتكبت هذه الانتهاكات من قبل الجماعات المتطرفة والقومية، حيث نصب فولوديمير زيلينسكى نفسه كزعيم لهذه المنطقة فى أوكرانيا، على غرار إيريك زمور فى فرنسا، الذى برز كزعيم لجزء كبير من الحركة القومية الفرنسية.
كانت أوكرانيا على وشك الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى أو قمره الصناعى، الاتحاد الأوروبى، وكان التهديد الحقيقى يلقى بثقله ليس فقط على الأوكرانيين الناطقين بالروسية، ولكن أيضا على روسيا المتاخمة لأوكرانيا، كانت الأخيرة تفكر فى عملية عسكرية لترحيل سكانها الناطقين بالروسية إلى روسيا.
هذه المخاوف الافتراضية بالنسبة للبعض، قبل العملية التى شنها الجيش الروسى فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ لإفشال هذا المشروع، تبين أنها حقيقية، بعد أكثر من عام على هذه العملية، لم يتمكن الجيش الروسى من القضاء على هذا الخطر بسبب تطور الأسلحة الأوكرانية والدعم الذى تتلقاه أوكرانيا من الناتو فى هذا الصراع الأمريكى الروسى على الأراضى الأوكرانية.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض القادة السابقين لدول الاتحاد الأوروبى، مثل الرئيس الفرنسى السابق الذى كان خاضعا كليا لواشنطن، وفرانسوا هولاند، وأنجيلا ميركل، لم يترددوا فى الكشف عن أن اتفاقية مينسك كانت مجرد تكتيك للتأخير. أوكرانيا مزيد من الوقت للاستعداد عسكريا.
على عكس العراق فى عام ٢٠٠٣، ثبت أن التهديد ضد روسيا والأوكرانيين الناطقين بالروسية حقيقى. لم تتوقف الأعمال غير القانونية الصارخة للجماعات العسكرية وشبه العسكرية الأوكرانية المتطرفة. يبدو أن استخدام روسيا للمادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة، على أساس العدوان أو التهديد بالعدوان من قبل هذه الجماعات، يبرر هذه العملية حتى يتم القضاء على التهديد.
لسوء الحظ، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة غير قادر على اتخاذ تدابير لإنهاء هذا الاضطراب غير القانونى الواضح واستعادة السلام والأمن، بسبب هيكله وعمله، لا سيما مع استخدام حق النقض فى خمسة بلدان.
هل يمكننا تصنيف العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا على أنها احتلال؟ من الضرورى انتظار نتائجه، لا سيما انتهاء الإجراءات التى أدت إلى انطلاقها، لمعرفة ما إذا كانت روسيا ستحافظ على وجودها فى هذه المنطقة، كما فعل الأمريكيون فى العراق، أو إذا كانت تنوى القيام بعمل دفاعى بحت، عملية لحماية الأوكرانيين الناطقين بالروسية ووضع حد للتهديد الذى يهدد أمنها، نظرا لقربها من الحدود الأوكرانية.
لسوء الحظ، استعصت هذه الحجة القانونية الدول الغربية والحلفاء المستعبدين للولايات المتحدة الذين شاركوا فى هذا الصراع من خلال استمرار تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة وفرض سلسلة من العقوبات.
منذ نهاية القطبية الثنائية، أصبحت ممارسة العقوبات الفردية الدولية، بما فى ذلك العقوبات التى تتجاوز الحدود الإقليمية، شائعة، وبتشجيع من موقعها المهيمن فى المالية والتجارة، لجأت الولايات المتحدة بشكل منهجى إلى هذه الممارسة لتأكيد هيمنتها بشكل متزايد.
وتحت سيطرة واشنطن، حذا الاتحاد الأوروبى حذوهم من خلال اتخاذ إجراءات مماثلة بشكل منهجى وترديد نفس التبريرات التى قدمتها الولايات المتحدة، تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بمراقبة ومراقبة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد انضم الاتحاد الأوروبى إلى مبادرات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية الأمريكية.
ومن المثير للاهتمام، أن حلفاء الولايات المتحدة، حتى عندما يرتكبون أعمالا غير قانونية دولية واضحة، لم يهتموا أبدا بالعقوبات التى تفرضها الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى التابع لها. هذا هو الحال مع تركيا، التى احتلت شمال قبرص منذ عام ١٩٧٤.
وقد أدين هذا العمل على المستوى الدولى، لا سيما من خلال عدد كبير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. منذ عام ٢٠٠٤، انضمت الجزيرة إلى الاتحاد الأوروبى، مع جزء من أراضيها تحت الاحتلال التركى. ومع ذلك، لم يفرض الاتحاد الأوروبى أى عقوبات على تركيا.
وبالمثل، هناك أكثر من ألف قرار اتخذها كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل، التى احتلت فلسطين منذ عام ١٩٤٨، بعد إبعاد السكان الفلسطينيين ومذابح عام ١٩٤٧، وقد ارتكبت إسرائيل جرائم ضد الإنسانية، بما فى ذلك الإبادة التدريجية للفلسطينيين والأعمال غير المشروعة دوليا بشكل دائم، على الرغم من ذلك، لم تفرض على إسرائيل أى عقوبات بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة.
تم تلخيص هذا الوضع الجائر ومحنة الفلسطينيين، التى يجب حلها بشكل فورى وإعطائها الأولوية على المواقف الدولية الأخرى، فى قرار صدر مؤخرا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يجب أن نشير إليه: القرار ٧٧/٢٤٧ المؤرخ ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٢.
لذلك، فإن عودة إجراءات العقوبات منذ سقوط جدار برلين وانحرافها، حيث تصبح ممارسة الحصار العالمى وسيلة لخنق دول معينة ولا تخفى النية المتعمدة لزعزعة استقرارها لأسباب سياسية بحتة، لا يقودنا فقط لانتقاد هذا النظام الجديد للعقوبات الدولية ولكن إدانتها والتشكيك فى أساسها القانونى.
والواقع أن فرض العقوبات من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد عفا عليه الزمن تماما، إنه خاضع للانتهازية السياسية وهيمنة الولايات المتحدة، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، السيد بطرس بطرس غالى، كان حريصا على منح المزيد من الاستقلال لهذه المنظمة العالمية وإخراجها من الهيمنة السياسية، وخاصة تلك الخاصة بالولايات المتحدة، التى حالت دون إعادة انتخابه وزيرا لها.
أشار الجنرال فى أجندة السلام إلى أن الإجراءات المنصوص عليها فى المادة ٤١ من الميثاق لا ينبغى أن تهدف إلى معاقبة دولة بل تعديل سلوك طرف يهدد السلم والأمن الدوليين، وأوصى بشدة بالتسوية السلمية للمنازعات، ولا سيما من خلال محكمة العدل الدولية، مما سيتيح الاحترام الموضوعى لمبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة.
لسوء الحظ، منذ نهاية الاستقطاب الثنائى، شهدنا انحرافا فى ممارسة العقوبات الدولية: العقوبات التى تتجاوز الحدود الإقليمية، هذه الممارسة تنتهك النظام القانونى الدولى، وتشكك فى مبدأ سيادة الدولة وحرية التجارة والمعاملات الدولية، لا سيما فيما يتعلق بفرض ما يسمى بالعقوبات الثانوية، هذه الأعمال تنتهك الاستقلال الدبلوماسى والاقتصادى لدول الطرف الثالث وبالتالى تنتهك سيادتها.
تنطبق العقوبات التى تفرضها الولايات المتحدة على الجهات الفاعلة غير الأمريكية التى تعمل خارج الأراضى الأمريكية إذا لم تمتثل لقواعد المقاطعة التى وضعتها الولايات المتحدة ضد دولة ثالثة. يؤثر هذا على الشركات والشركات الكبيرة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمؤسسات المالية التى لا يوجد مقرها فى الولايات المتحدة ولا تحمل الجنسية الأمريكية.
تجبر هذه الكيانات بموجب هذا التشريع على التخلى عن الأسواق، وتعليق الآخرين، وتحمل نفقات ضخمة لتطوير خدمات الامتثال لتحديد درجة ارتباطها بالولايات المتحدة، قد يؤدى عدم الامتثال إلى عقوبات مالية أو انتقاما من أصولهم أو أنشطتهم فى الولايات المتحدة، كما يتضح من الشركات الفرنسية مثل Technip وTOTAL وALSTOM وBNP Paribas وCrédit Agricole وSociété Générale، الذين واجهوا غرامات وعقوبات كبيرة بتهمة الفساد أو انتهاك العقوبات الأمريكية.
وبالتالى، فإن التأثير خارج الحدود الإقليمية للقوانين الوطنية الأمريكية المصممة لمعاقبة دولة ثالثة أو مواقف تتعارض مع النظام العام الداخلى للولايات المتحدة ينتهك استقلال الدول الثالثة.
تضع هذه القوانين القانون فى خدمة الأهداف السياسية والمصالح الاقتصادية، مما يؤدى إلى صراع على السلطة على المسرح الدولى باستخدام الإجراءات المضادة والانتقام من قبل الدول الضحية للآثار الثانوية للعقوبات التى تتجاوز الحدود الإقليمية، الهدف من هذه الإجراءات هو ممارسة الضغط على الدولة المسؤولة عن الإجراءات المضادة، فى هذه الحالة الولايات المتحدة، لعكس الإجراءات التى يتخذها أجهزتها التشريعية.
بعد أن تمتعت بهيمنة أحادية الجانب للمجتمع الدولى لمدة ثلاثة عقود، قامت الولايات المتحدة بخنق القانون الدولى العام والمنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة ومقرها فى نيويورك.
أعرب الأمين العام السابق لهذه المنظمة، بطرس بطرس غالى، عن أمله فى أن تؤدى هذه المنظمة العالمية، بعد استقطاب العالم، دورها فى حماية القانون وتنفيذه على الصعيد العالمى. لكنه خاض معارك شديدة ضده من قبل الولايات المتحدة، التى لم تقتصر على التنصت عليه فى مكتبه فى الأمم المتحدة ولكن أيضا فى منزله فى نيويورك، حيث مارست ضغوطا مستمرة عليه ومنعت بشكل خاص إعادة انتخابه كرئيس للمنظمة، خاصة أنه وندد بالمجازر التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى فى مدينة قانا بجنوب لبنان، وقد منعته السيدة مادلين أولبرايت من إدانة هذا الفعل كتابة، فرد عليه بأنه سوف يدينه شفويا أو لا يدينه إطلاقا.
بصفتى أستاذا للقانون الدولى العام لعدة عقود فى جامعات مختلفة، وجدت نفسى فى موقف صعب للغاية مع اضطراب النظام القانونى الدولى فى عالم أحادى القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة، التى تحتجز حلفاءها كرهائن، لم أعد قادرا على الإجابة على أسئلة طلابى لأن ممارسة القانون الدولى العام لم تعد تتوافق مع نظريتها.
توقفت عن تدريس هذا الموضوع، لكن ذلك لم يمنعنى من التنديد بالوضع الفوضوى الذى يسود العالم، لقد فعلت ذلك فى مقابلة فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨، من خلال دعوة المجتمع الدولى إلى الاستيقاظ وإحياء القانون الدولى العام والدفاع عن الحريات العالمية من خلال إنشاء عالم حر جديد.
لقد لاحظت رد فعل بعض القادة السياسيين، خجولين أحيانا بسبب هذا الوضع المهيمن العالمى، مثل تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى أعلن فى عام ٢٠١٩ أن الناتو ميت دماغيا"، أو من خلال تهديد الولايات المتحدة فى الحجاب. طريقة الانسحاب من هذه المنظمة خلال الأزمة الدبلوماسية التى حدثت فى عام ٢٠٢١ بشأن الغواصات التى طلبتها أستراليا، والتى أنهت العقد من جانب واحد بناء على طلب واشنطن. ومع ذلك، لم أر أمنياتى تتحقق إلا خلال النزاع الأوكرانى المؤسف، والذى يؤسفنى عن العنف، وخاصة الضحايا والأضرار المادية.
عالم جديد
كما هو الحال مع سقوط الاتحاد السوفيتى، الذى سمح للمجتمع الدولى بالتطور من خلال التسبب فى نهاية القطبية الثنائية، فإن الصراع المؤسف فى أوكرانيا مع ذلك له ميزة إخراج العالم أحادى القطب من هيمنة الولايات المتحدة. إن ما تسميه بعض الدول الغربية «المجتمع الدولى»، من خلال التذرع بمقر الأمم المتحدة وأجهزتها الفرعية الرئيسية فى الولايات المتحدة، هو محض وهم. إنها أقلية تطالب بهذا الوضع، وتتألف من الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، وأستراليا، وكندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وعدد من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
وأمام هذا التحالف، تعارضه غالبية دول وشعوب العالم بأسلوب تفاخر، معربة عن رغبتها فى إنهاء القطبية الأحادية للمجتمع الدولى. هذه هى دول أمريكا اللاتينية، ودول القارة الأفريقية، ودول القارة الآسيوية، بما فى ذلك دول وقوى كبرى مثل الصين والهند وباكستان وإيران وروسيا ودول الشرق الأوسط والخليج، جزء كبير من دول أوروبا الشرقية والوسطى، ولكن أيضا بعض الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى مثل المجر أو فرنسا وإيطاليا والبرتغال، حتى فرنسا تنتظر اللحظة المناسبة للانضمام إلى هذا العالم الحر الجديد.
تجلى ذلك فى تصريح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لدى عودته من زيارة رسمية للصين، حيث تحدث عن الهيمنة الأمريكية وأعلن عن ظهور عالم متعدد الأقطاب.
بصفتى شخصا مقربا من الراحل بطرس بطرس غالى، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ألاحظ أن هذه المنظمة العالمية تواجه نفس مصير عصبة الأمم، لم تعد تفى بمهمتها المتمثلة فى الحفاظ على السلم والأمن الدولى وحماية القانون الدولى العام.
الأمم المتحدة بحاجة إلى إعادة هيكلة، مع نقل مقرها إلى موقع محايد، كما اقترح بطرس بطرس غالى، مثل جزيرة بعيدة عن القوى المهيمنة على الساحة الدولية، وبالمثل، يجب إصلاح جميع هيئاته الفرعية، ولا سيما البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، التى تسيطر عليها واشنطن وتستخدم كأداة للمساومة ضد البلدان المقترضة المحتاجة.
يجب إنشاء آلية لصنع القرار واعتماد التنظيم الدولى العادل، مع احترام السيادة والمساواة والهويات الثقافية والاجتماعية للدول، للتحرر من العولمة التى تستعبد لها المجتمعات البشرية. لقد حان الوقت لاستعادة الحرية - حرية التعبير وحرية التنقل للناس ورأس المال والبضائع. لقد حان الوقت للتحرر من أدوات الاستعباد، واحتكاراتهم، وسيطرتهم المنهجية على أفعال الناس وأقوالهم. يمر العالم بتغيير عميق، بحثا عن توازن جديد، ولكن قبل كل شيء، عودة القانون الدولى والإنصاف.
كما أن للصراع المؤسف فى أوكرانيا ميزة السماح بظهور آليات تبادل جديدة نشطة. لذلك حان الوقت لإنشاء نظام مواز لنظام SWIFT لتسهيل التبادلات التجارية والمالية، فضلا عن المؤسسات المالية العالمية، ولا سيما تلك التابعة لدول البريكس، لتمكين تنمية البلدان الفقيرة أو المتعثرة. من الضرورى أيضا إنشاء آلية فعالة وحقيقية وعادلة لمكافحة الفساد وغسيل الأموال.
نحن سعداء بالتطورات الإيجابية التى تتكشف حاليا على المسرح العالمى، تتراجع هيمنة الدولار الأمريكى فى المعاملات، لا سيما أن المملكة العربية السعودية، ثانى أكبر منتج للنفط فى العالم والمورد الرئيسى لهذه السلعة للصين، قد وافقت على تلقى المدفوعات باليوان. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت روسيا، أكبر مصدر للغاز فى العالم، اتفاقيات للدفع بالروبل من شركائها. يبدو أن القوة المالية للولايات المتحدة فى تراجع، كما يتضح من تحرك الاحتياطى الفيدرالى لإقراض ١٢