الأب وليم سيدهم.. وداعا!!
اعتدنا عندما نتحدث عن شخص ما رحل عن عالمنا أن حديثنا كله يبدأ بكلمة «كان»، وهذا معناه أننا نتحدث عن ماضٍ لم يعد له حاضر ولن يكون له مستقبل، ولكن الأمر يكون مختلفًا عندما نتحدث عن العظماء والعمالقة، لأنهم وإن ماتوا وفارقونا بالجسد فإن أعمالهم وإنجازاتهم دائمًا تكون باقية.
وهذا الكلام ينطبق على
الأب وليم سيدهم اليسوعي «٢١ فبراير ١٩٤٨- ١٢ مايو ٢٠٢٣»، الذي شرفت بحضوره لكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة لحضور مناقشة أطروحة الماجستير الخاصة بي في الموضوع الذي أحبه وكتب وحاضر عنه كثيرا "لاهوت التحرير وأثره في تحرير جنوب إفريقيا" يوم ٩ مايو الجاري قبل رحيله بساعات عن عالمنا
رحل عنا وليم سيدهم بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والخدمة المتفانية للكنيسة والمجتمع، لقد تميز راحلنا الكريم بحلاوة فى الأسلوب وعذوبة فى اللسان ورقة فى التعبير، وقد حباه الله بمواهب متنوعة، فهو كان كاتبًا قديرًا ومتحدثًا بارعًا، ومترجمًا متميزًا، لقد كان الأب وليم سيدهم رجلًا له رؤية، وكان صاحب رسالة تهدف لتقديم محبة الله للإنسانية جمعاء، وهذه الرسالة السامية قدمها الراحل الكريم من خلال حياته اللامعة وسلوكه القويم، ودماثة خلقه.. وما فعله الأب وليم سيدهم يُذكّرنى بما قاله توفيق الحكيم: «لا خير فى فكرة لا يجعل منها الإنسان رداءه وكفنه، فيها يعيش، وفيها يُدفن».
والأب وليم سيدهم اليسوعى
- ولد في ٢١ / ٢ / ١٩٤٨ في جراجوس بقنا
وكان الأمين العام السابق للجنة المصرية للعدالة والسلام.
حاصل على ليسانس الآداب قسم فلسفة و علم نفس عام ١٩٧١ من جامعة القاهرة.
دخل الرهبانية اليسوعية في ٢٠ سبتمبر ١٩٧٢
- حصل على ماجستير الفلسفة من جامعة السوربون بباريس عام ١٩٧٨.
- حصل على ماجستير في اللاهوت عام ١٩٨٤ من جامعة اليسوعيين بباريس
- درّس في كلية العلوم الدينية بالسكاكيني أسس المنهجية من ١٩٨٨ – ٢٠١٥
- أشرف على بحوث التخرج لطلبة كلية العلوم الإنسانية بالمعادي
- عضو اتحاد الناشرين المصريين
- عضو نقابة الكُتاب المصرية
- عضو غرفة صناعة السينما
- ألف و ترجم ٢٢ كتاباً في لاهوت التحرير والكتاب المقدس و حقوق الانسان، منهم لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ولاهوت التحرير في آسيا ولاهوت التحرير في أفريقيا ولاهوت التحرير في فلسطين.
- أسس مع آخرين جمعية النهضة العلمية والثقافية عام ١٩٩٨ وهى تهتم بفنون السينما والمسرح والفنون التشكيلية.
- رأس مجالس إدارة جمعية النهضة وجمعية خضرة وجمعية الأصدقاء وأدار شركة الجزويت للإنتاج الفنى والمسرحي والسينمائي.
- ترأس جمعية الجزويت والفرير بالمنيا من سنة ١٩٨٤ الى عام ١٩٨٧
- عمل في مدرسة العائلة المقدسة جزويت القاهرة مشرفاً ومرشداً روحياً ومدرساً للفلسفة والتكوين الإنسانى من عام ١٩٨٨ حتى عام ٢٠١٤
والأب وليم سيدهم رغم عظمته ورغم علمه الغزير فإنه كان رجلًا متواضعًا بسيطًا، وكان متاحًا للكل، وكان باب مكتبه مفتوحًا على مصراعيه للجميع، للصغير قبل الكبير، وللفقير قبل الغنى، وللمسلم قبل المسيحى، وكان مبتسمًا دائمًا ومشجعًا للجميع.. وحرص الأب وليم سيدهم، من خلال تعاملاته وعلاقاته بين الناس، على نشر الحب والسلام ونبذ التعصب والكراهية ورفض الآخر، وسعى أن تكون المحبة هى السائدة فى العلاقة بين أطياف المجتمع، لأن المحبة أقوى من القانون، وأن قوة النفوذ بالحب أقوى من قوة النفوذ بالعنف، فبحق كان وليم سيدهم حدوتة حب.
لقد رحل عن عالمنا الأب وليم سيدهم ولكن هل مات العظيم العملاق؟ هل غابت وانتهت حدوتة الحب؟!
قال أحد الشعراء: «الناس صنفان.. موتى فى حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياءُ»، ووليم سيدهم لم يكن ميتًا فى حياته، لذا فهو سيبقى حيًا حتى بعد مماته.. إنه كان بمثابة شمعة أضاءت فى دُجى الليل، واحترقت حبًا وتفانيًا فى خدمة الآخرين والوطن.. وحياته لم تكن عقيمة سقيمة، ولكنها كانت حياة عميقة مثمرة، وحياة الإنسان تُقاس بعمقها، والراحل كان بحق رجلًا نبيلًا وشريفًا وحكيمًا وعظيمًا بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ.
إن وليم سيدهم سيبقى بصدقه ومحبته وبذله وتضحيته.. وهو لم يمت، فهناك كتبه ومقالاته، وهناك حواراته وأحاديثه ، وهناك تلاميذه، ومحبوه، وهناك من عايشوه عن قرب، وهناك من عرفوا كيف كان يفكر هذا الرجل وكيف كان يعمل، ونحن نثق فى أن المسيرة ستستمر ولن تتوقف، فالرواد هم الذين يؤمنون بالعمل الجماعى ولا يستحوذون بأنفسهم على أى عمل، ووليم سيدهم آمن بالعمل الجماعى وبإفساح المجال لآخرين، لذا فهو تلمذ كثيرين، وأقنعهم بفكره وبرؤيته، وهم سيسيرون على نفس الدرب.
يا أستاذنا الغالى، إن كان يعز علينا كثيرًا أن ترحل عن عالمنا وتفارقنا بجسدك، فإننا على يقين كامل بأن أمثالك تموت أجسادهم فقط، لأن الموت حق على الأحياء جميعًا، ولكن ذكراهم لا يمكن أن تموت، لأنك فرضت نفسك على الزمان والمكان فرضًا، فهل يمكن أن يفارقنا عطر نضالك وشذا سلوكك ورحيق قدوتك؟!، وهل من الممكن أن ننساك؟!، بالطبع لا وألف لا، فسيرتك العطرة باقية، ورسالتك الراقية خالدة، ونحن على يقين تام بأن القبر الذى يضم جسدك لن يستطيع أن يستأثر بك، لأن لك فى قلوب الذين يحبونك ذكرًا لن يموت، فلا يمكن أبدًا أن يموت من عاش فى قلوب الآخرين، ولا يمكن لنا أبدًا أن ننسى حدوتة الحب.