تتويج آخر ملوك بريطانيا!
سبعون سنة فصلت بين تتويج الملكة إليزابيث الثانية وتتويج نجلها تشارلز الثالث. ومع أن الله وحده يعلم عدد السنوات التى ستفصل، نظريًا، بين تتويج الأخير وتتويج ولى عهده، الأمير ويليام، فإن البريطانيين، الجمهوريين منهم تحديدًا، الذين تم قمعهم، أمس السبت، قد يجعلونها تمتد، عمليًا، إلى ما لا نهاية، لو تمكنوا من تحويل المملكة إلى النظام الجمهورى. ووقتها سيدخل رئيس وزرائنا، الدكتور مصطفى مدبولى، التاريخ باعتباره أول وآخر مسئول مصرى يشارك فى حفل تتويج ملك بريطانى!
وريث العرش الأكثر انتظارًا فى تاريخ بريطانيا، وفى التاريخ إجمالًا، وضع التاج على رأسه، وصار سابع ملك يرتدى ذلك التاج، بعد تشارلز الثانى، وجيمس الثانى، وويليام الثالث، وجورج الخامس، وجورج السادس، وإليزابيث الثانية، التى ارتدته سنة ١٩٥٣، وعاصرت ١٥ رئيس وزراء، بدءًا من ونستون تشرشل وصولًا إلى ليز تراس، التى كلفتها بتشكيل الحكومة قبل ٣ أيام من رحيلها. أما الملوك الذين سبقوا هؤلاء فكانوا يرتدون، منذ سنة ١٢٢٠، تاج القديس إدوارد، الذى صهَره أوليفر كرومويل، وصَهر معه النظام الملكى.
الفترة الواقعة بين صَهر التاج القديم وصناعة التاج الحالى توصف فى التاريخ السياسى البريطانى بفترة «ما بين العهود»، Interregnum، وبدأت بإعدام الملك تشارلز الأول، فى ٣٠ يناير ١٦٤٩، وتنصيب أوليفر كرومويل رئيسًا لـ«كومنولث إنجلترا الحر»، بعد حرب أهلية طاحنة، وانتهت عمليًا بوفاة كرومويل سنة ١٦٥٨، إذ لم يتمكن ابنه ريتشارد، الرئيس الثانى والأخير لـ«كومنولث إنجلترا الحر»، من الحفاظ على السلطة لأكثر من ٢٦٤ يومًا سقطت بعدها الجمهورية وعاد النظام الملكى واستعاد تشارلز الثانى العرش.
على هذا الإرث، تأسست حركة أو مجموعة الجمهوريين سنة ١٩٨٣، التى تم إشهارها رسميًا، باسم «الحملة الجمهورية»، سنة ٢٠٠٦، ويزيد عدد أعضائها الآن على ٨٠ ألفًا. وفى سبتمبر الماضى، قال جراهام سميث، الرئيس التنفيذى للمجموعة، أو الحركة، أو الحملة، إنهم سيطالبون بإجراء استفتاء لتحديد مستقبل النظام الملكى، متوقعًا أن يتبع رحيل إليزابيث الثانية تراجع كبير فى شعبية العائلة المَلَكية، وأن يزيد عدد الراغبين فى التحول إلى النظام الجمهورى داخل المملكة المتحدة وفى كل الدول التى لا تزال تابعة للتاج البريطانى.
المجموعة، الحركة، أو الحملة، كانت تعتزم تنظيم احتجاجات للمطالبة بإلغاء النظام الملكى، وقالت فى بيان، نشرته أمس الأول الجمعة، إن «٩٪ فقط من البريطانيين يؤيدون هذا التتويج»، وأكدت أنها سوف تُثبت أن الأمة كلها ليست داعمة للملكية. غير أن الشرطة البريطانية قامت صباح السبت بإلقاء القبض على عدد من أعضاء الحركة البارزين، من بينهم رئيسها التنفيذى، فى حملة قمع طالت كل من اعتزموا أو حاولوا التظاهر!
جلست إليزابيت الثانية على العرش بعد أن خلقت الحرب العالمية الثانية أوضاعًا دولية مختلفة عن تلك التى عرفها العالم قبلها، خاصة فى المستعمرات، التى تصدرت قضية الاستقلال كفاحها الوطنى. وكانت النتيجة غروب الشمس عن بريطانيا، وإزاحتها من قائمة الدول العظمى. ومع ذلك، لم يهتز العرش البريطانى، أو النظام الملكى، إلا أن هناك من ربطوا الملكة الراحلة والملكية، بمرور السنوات وبتتابع الأزمات السياسية، ورفعوا شعارات من عينة «اجعلوا إليزابيث الأخيرة» الذى كان عنوانًا لمؤتمر مناهض للحكم الملكى، أقيم منتصف السنة الماضية، بالتزامن مع الاحتفال بمرور ٧٠ سنة على جلوسها على العرش.
.. أخيرًا، وكما بدأت الجمهورية البريطانية بإعدام الملك تشارلز الأول، وانتهت بتنصيب تشارلز الثانى ملكًا، يراهن «الجمهوريون البريطانيون» على أن يكون تشارلز الثالث هو الملك الأخير، الذى يقسم نواب البرلمان والمسئولون وأفراد القوات المسلحة بالولاء له، وليس للدولة، ويمنحه الدستور، غير المكتوب، خلافًا لما هو شائع، امتيازات وصلاحيات مطلقة، تبدأ بعدم إمكانية مقاضاته، وإعلان الحرب، وعقد التحالفات والاتفاقيات الدولية، ولا تنتهى بإقالة الحكومة وحل البرلمان، أو تعطيله أو تأجيل بدء عمله.