الزلازل.. شائعات وأمنيات
الأراذل، جمع الرَّذْل والرَّذِيل والأَرذل، وهو الدُّون الخسيس من الناس، أو الردىء من كل شىء. ونرى أن هذه الصفة تليق بهؤلاء الذين سألوا الهولندى فرانك هوجيربيتس، Frank Hoogerbeets، عن إمكانية حدوث زلزال فى مصر، ثم خرجوا من إجابته العائمة، بما أشاعوه، أو تمنّوه، على شبكات التواصل الاجتماعى، ونقلته عنهم مواقع إلكترونية وصحف وقنوات تليفزيونية، بشأن تعرّض البلاد لزلازل مدمّرة، وموجة «تسونامى» خطيرة، خلال الأيام المقبلة!.
الهولندى، الذى يوصف بأنه «عالم جيولوجيا» أو «خبير فى شئون الزلازل»، كان قد نشر تغريدة على «تويتر»، توقع فيها زلزال تركيا قبل أيام من حدوثه، وبعد حدوثه نشر مقطع فيديو على يوتيوب، توقع فيه الكثير من الهزات الأرضية فى لبنان والعراق وإيران ودول أخرى، ثم قال إنه سئل «هل سيحدث زلزال كبير فى لبنان أو حتى مصر؟»، وبعد أن أجاب بـ«نعم»، أوضح أنه «لا يمكن الجزم بما إذا كان ذلك سيحدث الأسبوع المقبل أو فى غضون ٥ أو ١٠ سنوات.. لا أحد يعرف حقًا»!
عجزنا عن معرفة تخصص هذا الرجل، أو الدرجة العلمية التى يحملها. فقط، وجدنا أن لديه مركز أبحاث افتراضيًا اسمه «SSGEOS»، متخصصًا فى «رصد العلاقة بين الأجرام السماوية والنشاط الزلزالى»، وستكتشف بسهولة أن هذا المركز، بلا مقر، أو باحثين، بمجرد تصفحك موقعه الإلكترونى، الذى يزعم أن أشخاصًا يدخلون إليه يوميًا «للحصول على أحدث توقعات الزلزال وأيضًا لأغراض البحث»، ويشير إلى أنه يقدم هذه الخدمات مجانًا، ثم يطالبك بالتبرع حتى يتمكن من مواصلة مشاريعه البحثية وتقديم خدماته!
يرى هذا الرجل، أو يعتقد، أن «مواقع الكواكب تؤثر بشكل واضح على الزلازل وتحفزها»، ويزعم أن مواقع عطارد والزهرة والمريخ وكواكب أخرى، هى التى تسببت فى زلزال فيلادلفيا سنة ١٩٦٠ وزلزال ألاسكا سنة ١٩٦٤، وأن ٦ أجرام سماوية «تشاركت فى اقترانات كوكبية»، وأحدثت ثلاثة زلازل، فى ٢٣ يونيو ٢٠١٤، التى كانت بقوة ٦ درجات، فى جنوب المحيط الهادئ، والتى تلتها خلال ساعات فقط، ثلاثة زلازل أخرى فى شمال المحيط الهادئ بلغت قوتها ٧.٩ درجة!
استكمالًا لتلك التصورات أو الافتراضات، كتب الرجل، فى ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٢، عن الزلزال الذى ضرب وسط تركيا سنة ١٦٦٨، زاعمًا أنه «تم تفعيله من خلال هندسة الزاوية اليمنى المزدوجة النادرة الحدوث لكواكب الزهرة وعطارد والمشترى»، وفى ٣٠ يناير الماضى، نشر صورة لكوكب الأرض، عليها خطان باللون الأرجوانى، أحدهما يمتد من بحيرة بايكال جنوب روسيا إلى المحيط الهندى، مشيرًا إلى احتمالية حدوث نشاط زلزالى أقوى فى نطاق الخطين أو على مقربة منهما، خلال مدة تتراوح بين يوم وستة أيام.
مرت الأيام الستة على خير، وفى ٢ فبراير، كتب أن «نشاطًا زلزاليًا كبيرًا قد يحدث بين ٤ و٦ فبراير»، مرجحًا أن تصل قوته «إلى حدود ٦ درجات على مقياس ريختر»، وفى ٣ نوفمبر، أى قبل ثلاثة أيام من حدوث الزلزال، قال إن قوته ستكون ٧.٥ على مقياس ريختر، وبالفعل حدث الزلزال مسجلًا ٧.٧ درجة.
لن نقول «كذب المنجمون ولو صدقوا»، ولن نشير إلى أن هذا الرجل سبق أن توقع حدوث زلزال فى كاليفورنيا، وطالب بإخلاء المنطقة التى توقع تدميرها، ثم لم يحدث أى شىء، فما يعنينا، الآن، هو أن «المركز الإعلامى لمجلس الوزراء» قام بالتواصل مع «المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية»، الذى شدّد على أن «الشبكة القومية لرصد الزلازل» تتابع بشكل مستمر ودقيق نشاط أى زلازل أو هزات أرضية قد تحدث، وأنها قامت على الفور بتحليل البيانات الأولية للزلازل، التى تعرض لها بعض الدول المجاورة، ولم ترصد أى مؤشرات أو توقعات تنذر بتعرض مصر لزلازل مدمرة أو موجات تسونامى خلال الفترة المقبلة.
.. ولا يبقى غير أن نطالبك، كما طالبك «المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية»، بضرورة استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وعدم الانسياق وراء مثل تلك الأخبار الزائفة، التى تستهدف إثارة حالة من الهلع بين المواطنين.