إنها مصر
المصالحة الوطنية
قبل 2014 كانت الأصوات تصرخ بالثأر والانتقام وتصفية الحسابات و»العدالة الانتقالية» التى أرادها البعض «انتقامية»، ومحاكمات الشوارع والميادين.
لو حدث ذلك لوقعت البلاد فى مستنقعات الدماء والقتل، وسادت الفوضى والشغب، وتحولت البلاد إلى ساحة للقتال بين أبناء الشعب الواحد الذى تمزقت روابطه.
واستحضر البعض تجارب محاكمات نورمبرج فى ألمانيا النازية وطلب تطبيقها، رغم أن مصر لم يكن فيها غرف غاز، ولم ترتكب جرائم حرب ولا محارق ولا إبادة جماعية، ولم يُقتل 60 ألفاً مرة واحدة مثلما حدث فى معسكر «شتوتهوف»، إما بإطلاق النار عليهم أو بحقن البنزين أو الجوع .
ولم تكن فى مصر أقلية بيضاء مثل جنوب أفريقيا، ونظام الفصل العنصرى، ومجموعة عرقية واحدة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية لتضمن بقاءها.
لم يحدث شىء بهذا الشكل، وحاولت الجماعة الإرهابية إشعال الفتن بين المسلمين والأقباط والسنة والشيعة وسائر فئات المجتمع، وارتكاب جرائم قتل والحكم خارج إطار القانون بدستور مشوه ونائب عام ملاكى.
وسيطرت حمى اللهو الخفى على مواقع التواصل الاجتماعى للتخويف ونشر الذعر والهلع بين الناس وإشاعة أجواء من القلق والرعب، والإيحاء للعالم بأن مصر لم تعد وطناً آمناً.
وامتزج الخوف بشعارات كاذبة مستوردة من الثورات الأوروبية، لتبرير ممارسات الفوضى والقتل والحرق والتخريب والتظاهر واغتيال الأبرياء، ولم يكن أى إنسان آمناً على حياته وممتلكاته وأسرته.
وارتفعت أصوات الانتقام «الشعب يريد إعدام فلان»، والدعوة إلى محاكمات الميادين والشوارع، وكل فصيل يرى أنه القاضى والحكم ومن بيده السيف والرصاص.
لدرجة أن أحدهم قال فى مجلس النواب الإخوانى: لن يلومنا أحد إذا فعلنا مثل الليبيين الذين أعدموا القذافى فى الشارع دون محاكمة.
وكان معنى كلامه أن تعطل المحاكم والقضاة والقضاء المصرى العريق، وأن يكون زمام العدالة فى أيدى مجموعات ترفع شعار الانتقام.
والانتقام هو دائماً أعنف من العنف، ويرتكب المنتقم نفس الخطيئة التى ينتقم لأجلها ويولد الكراهية، والكراهية نار لا تنطفئ، أما الدم فلا يغسل بالدم بل بالماء.
وفى غضون سنوات قليلة أتمت مصر مصالحة وطنية غير مسبوقة، لم تأخذ حقها من الدعاية والإعلام، واستطاع الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يلم شمل المصريين تحت مظلة الدولة القانونية والعدالة والمساواة ونبذ العنف والكراهية، وعادت الحياة لطبيعتها دون إجراءات استثنائية أو محاكمات جائرة، وتولى القضاء المصرى النزيه تحقيق العدالة المستمدة من الدستور والقانون.
كانت مصر تنزف دماً قبل 2014، وكان ضرورياً تضميد الجراح وليس فتح المزيد منها، واستكملت خطواتها بالإفراج عن السجناء وإصدار استراتيجية لحقوق الإنسان وفقاً للمعايير الدولية، ولم تعد السجون أماكن مخيفة لتعذيب السجناء ، وأصبحت الصورة القديمة من الماضى.