حرب الشائعات وسطوة السوشيال ميديا!
أخطر ما تواجهه مصر بعد الإرهاب هو سموم الشائعات التي يجري دسها بين الحين والحين في سماء الفضاء الإلكتروني والتليفزيوني لفك ارتباط المواطن بقيادته وحكومته؛ فحين تخرج الحكومة لتنفي في يوم الجمعة الماضية وحده 3 شائعات.. فاعلم أن آلة الافتراء والأكاذيب تعمل بكفاءة عالية تكاد تسبق قدرتنا على نشر صحيح المعلومات في توقيتها المناسب وبلغة يفهمها البسطاء ويتجاوبون معها ويصدقونها وهذا هو الأهم بحيث تبني لديهم قناعة لا تتزعزع ووعيًا حقيقيًا لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه.
أما أخطر ما تصدت له الحكومة من شائعات في الأيام الأخيرة ويدخل في صميم أمننا القومي فهو شائعة تأجير قناة السويس أهم مجرى ملاحي عالمي، فقد زعم البعض على منصات التواصل أن الحكومة قامت بتأجير قناة السويس لإحدى الشركات لإدراة خدماتها؛ وهو الأمر الذي نفاه الفريق أسامة ربيع قائلًا:"هذا الكلام لا يمكن أن يمر بخاطرنا ولو من باب التفكير"..
مؤكدًا أن قناة السويس ملك للمصريين، وأن الدولة خاضت عدة حروب من أجل فرض السيادة عليها، واصفًا عقد التأجير المتداول بأنه مزيف ولا صحة له، نشره شخص مُفلِس، لا يمكن للمصريين تصديقه، وهناك من فنّد هذه الشائعة فور انتشارها.
الفريق أسامة ربيع أرجع إطلاق تلك الشائعة إلى رغبة من يطلقونها في إطفاء أي نجاحات مصرية في أي موقع بالدولة قائلًا: "إحنا مش هنسيب اللي نشر الشائعة دي".. كما نفت الحكومة على لسان المركز الإعلامي لمجلس الوزراء صحة الأنباء المتداولة في هذا الشأن جملة وتفصيلًا، مؤكدة أن العقود المتداولة مزيفة ولا تمت للواقع بأي صلة، مشددة على أن قناة السويس ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتخضع لسيادتها المطلقة سواء في إدارتها أو تشغيلها أو صيانتها، وذلك وفقًا للمادة 43 من الدستور..
انتهى النفي لكن أثر الشائعة قد لا يقف عند هذا الحد.. فالسوشيال ميديا باتت صاحبة اليد الطولى في صناعة الخبر وربما الحدث والوعي والتأثير لدى طائفة ليست هينة من أجيالنا الجديدة في ظل إعلام تخلف عن الركب وضاعت بوصلته ليس لضعف إمكانيات ولا افتقاد كوادر بل لغياب الرؤية والمعلومة والحوار الجاد والنقد الموضوعي وغلبة الصوت الواحد الزاعق الذي لا يجيد إلا الهجوم والنفي وتغيب عنه الجاذبية والتأثير ولا أقول المصداقية..
ويكفي أن تعرف مثلًا أن هناك يوتيوبرز يحققون مشاهدات أعلى من برامج التوك الشو التي ينبغي أن قياس أدائها ومدى نفاذها للشارع وقبول الناس لها.
علاج الشائعات
لا شك أن الشائعات سلاح فتاك يستخدمه من يضمر لهذا البلد شرًا حين يعمد إلى اختيار موضوعات وقضايا مهمة تمس حياة المواطن بصورة مباشرة أو تمس سيادة بلاده، بهدف تهييج الرأي العام وإثارة المشاكل ونشر السلبيات غير الحقيقية، ولعل انتشار الشائعات بكثافة مؤسفة في الفترة الأخيرة يحمل معه تساؤلات لماذا يلجأ أصحابها لهذه الحيلة وعلى أي أساس يختارون الشائعة وكيف يجري ترويجها بسرعة ولماذا تجد سبيلها إلى الجمهور بسرعة تسبق أحيانًا قدرة الحكومة على النفي وإثبات العكس..
وإلى متى سنظل في هذه الدائرة الجهنمية.. ولماذا لا يخرج كل مسئول كبر أو صغر ليعلن للرأي العام معلومات وحقائق تمس صميم وظيفته بصورة موضوعية تقطع الطريق على المزايدين والمشكين؛ ليصنع -كما يطالب الرئيس السيسي- وعيًا حقيقيًا في مواجهة وعي زائف هو الأسرع انتشارًا في ظل بيئة خصبة غير منضبطة قابلة للتأثر، وربما التصديق خصوصًا على ساحة الفضاء الإلكتروني..
التي لا تدقق ولا تمحص ولا تتثبت من المعلومات ولا تدرك خطورة الشائعات التي حذرنا القرآن من تداولها دون تحقق بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"(الحجرات: 6). الشائعات تعتمد في انتشارها على اختيار موضوعات مهمة، تمس حياة الناس ومستقبلهم، ولا تسعى مؤسسات الدولة إلى توضيحها للعامة.
علاج الشائعات يستلزم تبني نهج واضح في تناول القضايا الاجتماعية وتصحيح المفاهيم المغلوطة ورفع مستوى الوعى لدى المواطن، من عبر أعمال فنية درامية، وأفلام، وبرامج تثقيفية وتوعوية، وتبني خطاب رشيد في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس وبرامج التوك شو، وسرعة دحض الأكاذيب، ونشر المعلومات الصحيحة لصون الرأي العام من العبث.
لا يخفى أن الأكاذيب والشائعات رماح مسمومة مهلكة لوحدة المجتمعات.. كم تجنَّت على أبرياء، وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء، وتسبَّبَت في جرائم، وفككت العلاقات والروابط، لم يسلم منها أهل الصلاح ذوو الأفهام، بل ولا حتى الأنبياء والرسل الكرام ولذلك فنحن مطالبون بانتهاج طريقة أسرع وأكثر قوة في مواجهتها بإتاحة مزيد من المعلومات والحقائق والشفافية حتى نوقف هذا السيل الجارف من الشائعات التي تعرض الوطن للخطر.