”فاهم”
تلقيت الاسبوع الماضى دعوة كريمة من السفيرة / نبيلة مكرم وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج سابقا وذلك لحضور حفل تدشين مؤسسة "فاهم للدعم النفسى" التى تهدف الى زيادة الوعى بالامراض النفسية من خلال حملات التوعية والندوات وورش العمل مع الجهات والهيئات الحكومية وعدد من الأخصائيين والاطباء النفسيين بالاضافة الى تهيئة أسرة المريض النفسى لفهم ماهيه المرض وكيفية التعامل معه والقضاء على الصورة السلبية عن المرضى النفسيين.
وخلال فترة إنتظارى لبدء مراسم الإحتفالية ورد فى ذهنى العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع ...من منا لم يتعرض للعديد من الضغوط النفسية التى جعلته يفقد جزءاً من إتزانه وهدوئه تجاه تلك الضغوط خاصة اذا كانت تتعلق بحياتنا الشخصية مثل مشاعر الخوف والقلق والإكتئاب والتوتر...كانت هذه فكرتى المبدئية عن الأمراض النفسية التى إنتشرت فى الآونة الأخيرة نتيجة ضغوط الحياة...وكثيراً ما كنت اعرف اشخاصاً يمرون بتلك الاعراض إلا انهم يخشون ان يعلنوها وكأنها سوف تسبب لهم وصمة عار يجب الا نعلن عنها ...فى حين ان العلم الحديث يؤكد انها امراض نفسية مثل غيرها من الامراض العضوية التى تحتاج الى مواجهة وعلاج قبل ان تتفاقم وتتحول الى مشكلة او كارثة نتيجة تفاقم المضاعفات لدى الشخص المريض ويتحول الى انسان منبوذ او شرس او يتحول فى لحظة ما الى مجرم فى حق نفسه فيقدم على الانتحار مثلاً او فى حق غيره فيعتدى على أقرب الناس اليه.
وما ان بدأت السفيرة النبيلة فى الحديث عن فكرة إنشاء المؤسسة وانها تلقى دعماً كبيراً من الدولة حتى وجدت ان الموضوع جد خطير ويستلزم ان يتم مناقشته بكل وضوح وشفافية وجرأة حيث قام السيد وزير الصحة بالحديث عن الامراض النفسية ووجدت انها تمثل إشكالاً مختلفة وليس فقط مجرد اضطراب أو قلق وتوتر...فهناك مرض الفصام حيث يعيش المريض به وكأنه فى مجتمع أخر وينتج عنه هلوسات وأوهام واضطراب فى السلوك....وهناك الاضطراب الثنائى القطبى ويعانى المصابون به من تقلبات مزاجية بين نوبات اكتئاب حادة او ابتهاج غير طبيعى مصحوباً بعدم الرغبة فى النوم وسرعة التفكير ثم ينقلب الحال الى اكتئاب وضيق وحزن شديد وفقدان الثقة فى النفس والاحساس بالذنب دون مبرر....ويأتى بعد ذلك اضطرابات الشخصية وهو يمثل احد انواع الاضطراب العقلى الذى يترتب عليه الفهم الخاطئ للأمور ويؤدى الى مشاكل اجتماعية بين افراد الاسرة وزملاء العمل .
كما اصبح مرض التوحد ايضاً الذى يؤدى الى اضطراب النمو العصبى ويسبب صعوبة فى اكتساب واداء وظائف فكرية او حركية او لغوية واجتماعية تؤثر على قدرة الطفل على التواصل مع المحيطين به وللاسف يبدو ان هناك نسبة كبيرة من الاطفال فى مصر مصابين بهذا المرض حالياً والذى لم يعرف تحديداً سبباً له إلا بعض الاستنتاجات التى ترى انه يأتى نتيجة عوامل جينية او بيولوجية او مناعية وعلاج هذا المرض يكمن فى الاساس من خلال التدخلات النفسية والاجتماعية والسلوكية والعلاج المهنى وعلاج مشاكل النطق.
فى الواقع عندما سمعت هذه الامراض وغيرها لاحظت ان جميع السادة الحضور قد اصيبوا بحالة من الصمت والحزن والقلق على انفسهم وعلى ابنائهم فكان من اللازم ان نستمع الى آراء العديد من الخبراء والاساتذة المتخصصين الذى بدأو فى عرض خططتهم لعلاج تلك الحالات من خلال مؤسسة "افهم" وذلك عن طريق ثلاثة مراحل رئيسية يجب ان يشملها بروتوكول العلاج وهى..."افهم –اسمع –تكلم" تلك هى المحاور التى يندرج تحتها العديد من الخطط العلاجية التى تبدأ بنشر ثقافة الصحة النفسية وتوفير سبل معالجة المرضى منهم وحمايتهم من عدم التمييز والتنمر والتوسع فى هذا الاختصاص وتوفير سبل ووسائل الدعم المطلوب للقائمين عليه.
ومن خلال مظاهرة الثقة والحب التى تحظى بها السفيرة نبيلة مكرم رئيسة مجلس أمناء تلك المؤسسة انبلج نور الامل فى ان يجد هؤلاء المرضى طريقهم للعلاج والشفاء حيث اعرب جميع الحضور عن استعدادهم لتقديم كافة وسائل الدعم كل فى حدود اختصاصاته وامكانياته لمساعدة السفيرة فى تحقيق طموحاتها حيث يبدوا ان اهتمامها بتلك الفكرة جاء وليد تجربة حياتية شخصية تعرض لها نجلها رامى وهو يقيم بمفرده فى الغربة وتتمنى الا تعانى اى اسرة مصرية مثلما عانت هى فجاءت طموحاتها مشروعة وليس لها حدود فهى تتمنى اقامة مشروع صحى متكامل لعلاج المرضى النفسيين وتوفير خدمة صحية متميزة لهم على غرار مستشفى الدكتور/ مجدى يعقوب لامراض القلب ومستشفى الاورمان وغيرها من الصروح الطبية المتميزة التى احدثت مروقاً ضخمة فى علاج العديد من الامراض...وقد نجحت السفيرة النبيلة فى ان تنقل الينا تلك الرغبة وتلك الطاقة الايجابية التى تتمتع بها رغم جرحها الدفين الذى تعرضت اليه بسبب اصابه ابنها بأحد تلك الامراض النفسية ...وانتهى اللقاء بتوقيع العديد من البرتوكلات مع وزارات الصحة والتضامن والشباب على أمل ان تبدأ مشوارها بسرعة لكى تتمكن من السيطرة على تلك الامراض وتخرج لنا أجيالاً سليمة وصحيحة بدنياً ونفسياً يشاركون فى بناء جمهوريتهم الجديدة مع باقى ابناء الوطن.. وتحيا مصر.