نسبية معنى ومفهوم النصر
رغم أن غبار المعارك على جبهة الحرب الدائرة فى غزة لم يهدأ بعد، إلا أن هناك معركة من نوع آخر تدور ليس بين طرفى المواجهة وإنما داخل كل طرف من أطرافها. معركة تحاول أن تستبق النتائج لتحدد من هو المنتصر ومن هو المهزوم؟
فعلى الصعيد الأمريكى الإسرائيلى كان من رأى مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق جون بولتون أن حماس، حسبما يرى، حققت انتصارا كبيرا على إسرائيل على خلفية صفقة تبادل الأسرى، وأنها جنت أغلب المكاسب. فى نفس المسار كان رأى وزير الأمن القومى لحكومة الاحتلال إيتمار بن غفير والذى رأى أيضاً أن حماس حصلت على ما تريد بوقف العمليات العسكرية وإلغاء وقف التزويد بالوقود وغير ذلك.
أما على صعيدنا نحن العرب، فهناك من يرى أن إسرائيل حققت نصرا كبيرا وحسّنت موقفها بعد عملية طوفان الأقصى، فغزة أصبحت محتلة، وخسر الفلسطينيون أكثر من 15 ألف شهيد، ودمرت البنية التحتية للقطاع بأكمله تقريبا. وبعد أن كان البعض يرى أن العملية حرب بلا فائدة أصبح آخرون يرونها أكبر ضرر على القضية الفلسطينية بشكل يهدد بتصفيتها.
غير أن التأمل فى المشهد على وقع أيام الهدنة، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن الأوضاع مفتوحة على كافة الاحتمالات، يكشف عن قصور النظر فى هذه التصورات، ولعل تحليل حسابات الربح والخسارة على مستوى الطرفين بحيادية ونزاهة يعزز هذا الطرح.
بعيدا عن أى تحيزات شخصية لدى المراقب أو المحلل، فإن القاعدة الأساسية التى ينبغى التعامل على أساسها أن أى معركة حربية أو حتى غير حربية ليس لها من نتائج سوى اثنتين أساسيتين إما النصر الحاسم لطرف والذى يعنى الهزيمة المنكرة للآخر أو التعادل، بمعنى أنه لا يوجد أحد من طرفى المواجهة حقق نصرا حاسما ولم يوقع بالآخر الهزيمة المنكرة، أى أن المواجهة لم تصل لحد ما يوصف بالمباراة الصفرية التى يحصل فيها طرف على كل شىء فيما لا يحصل الآخر على أى شىء.
فى الحرب على غزة لم ينتصر طرف ولم يهزم الآخر. طبيعى أن يخرج نتنياهو ليحاول تعزيز مركزه ويوحى بأنه ألحق هزيمة ساحقة ماحقة بحماس، وطبيعى أن يخرج علينا أبو عبيدة ليحاول أن يبث فينا روح النصر بأن العدو ناله ما لم يكن ينتظره من هزيمة! وطبيعى أن متطرفا كبن غفير لا يتمنى سوى رؤية حماس وقد أطيح بها وأى بديل غير ذلك لا يعد نصرا. وطبيعى أن كارهى حماس فى عالمنا العربى ومن لديهم مرض فى قلوبهم يرون أن إسرائيل مسحت بحماس الأرض!
الواقع يقرر – وأعتذر عن هذا المستوى من البرود فى الحديث عن قضية ساخنة – أن المقاومة أبعد ما تكون عن أهدافها، سواء التكتيكية أو الإستراتيجية، وأن الكفة قد تميل بين لحظة وأخرى لما هو أسوأ لحد ندم البعض من أصحاب الإرادات الضعيفة بين ظهرانينا، على مبادرة المقاومة بشن طوفان الأقصى من الأصل.. وهذا وارد وبشدة، دون أن يعنى ذلك بأى حال من الأحوال أننا نوجه أى لوم على بدء العملية.
والواقع أيضاً يقرر أن إسرائيل ربما لم تتلق ضربة فى الصميم تمس شغاف القلب بقدر ما نالت منها عملية طوفان الأقصى، وأنها حتى فى عملية الرد اتسع نطاق خسائرها. لكن بمعايير ميزان القوى، دولة فى مواجهة جماعة، أعتى الأسلحة فى مواجهة أخرى تصنع فى ورش حدادة، فإن المقاومة نجحت بشكل ربما يتطلب خيالا ملحميا عربيا لتخليد ما جرى!
اللهم انصر إخواننا فى فلسطين.
[email protected]