سيناء.. العشق المصرى
إن أردت أن تعرف مكانة سيناء فاسأل من قاتلوا من أجلها، وافتدوا بأرواحهم رمالها، من أقسموا ألا يعودوا إلا وقد تحررت أرضها.. من اختلطت دماؤهم بفيروزها من أبطال أكتوبر ٧٣ إلى أبطال الحرب على الإرهاب تسمع قصصا من العشق فى سيناء، تشعر وكأنها دماء تجرى فى عروقهم، جزء من كرامتهم، منذ أيام أهدانى أستاذنا ومعلمنا القائد المقاتل اللواء مسعد ششتاوى كتاب «سيناء بين قيود الماضى وتحديات المستقبل» والذى يسرد فيه قصة سيناء، ملتقى الحضارات وأرض الأنبياء، وسر عشق المصريين لها والتعلق برمالها الغالية، وطبيعة وأهمية سيناء الاستراتيجية والعسكرية باعتبارها بوابة مصر الشرقية.
يكشف الكتاب المهم أن احتلال سيناء فى حرب يونيو 67 لم يكن تقصيرًا من القوات المسلحة أو ضعفًا أو عدم كفاءة، فالقوات المسلحة ظلمت فى هذه المعركة لأنها لم تحارب من الأساس ولكن القرار السياسى بانسحابها من مواقعها الدفاعية فى سيناء يوم 6 يونيو وبعد 24 ساعة فقط من بدء هذه الحرب كان هو الخطأ الأكبر، والذى حرم رجال الجيش من الدفاع عن أرضهم، وقد كانوا قادرين على الصمود بل وإيقاع الهزيمة بقوات العدو.
يسرد الكتاب فى بلاغة تختلط بمشاعر المقاتل كيف كان الطريق الصعب من الهزيمة إلى النصر الغالى لكل المصريين على أرض سيناء والذى تحقق بدماء وتضحيات لا تكفى مجلدات لتخليدها ويرصد كيف ظلت شبه جزيرة سيناء عبر العصور مسرحًا للعمليات الحربية ولقوى استعمارية ولإمبراطوريات طواها التاريخ كانت تطمع فى أن تجد لها موقعًا على أرض مصر لكن جيش مصر كان كفيلا بهزيمتهم وإنهاء أطماعهم، لذلك ظل ارتباط سيناء بالعسكرية المصرية قائمًا عبر التاريخ باعتبارها مسرحًا لكثير من المعارك ومنطقة إنذار مبكر كما بقى الإنسان المصرى فيها متماسكًا يزداد قوة وصلابة جيلًا بعد جيل ليس فقط أبناء القوات المسلحة الباسلة وإنما أيضا أبناء سيناء الوطنيين الأبطال ولا ننسى مؤتمر مدينة الحسنة عام 68 عندما أراد موشى ديان أن يعلن مشايخ القبائل والعواقل الانضواء تحت علم إسرائيل وظن أن الأمر سهلا لكنه فوجئ برجال سيناء مقاتلين أشداء يصفعونه بعنف امام العالم ويفسدون مخططه الشيطانى ويعلن الشيخ سالم الهرش شيخ مشايخ قبائل الترابين الموقف التاريخى ويقول لديان «اسأل جمال عبد الناصر فإذا وافق فنحن موافقون».
والسؤال لماذا أعينهم على سيناء تحديدا؟ ورغم هزيمتهم مرتين، الأولى بطرد الاحتلال والثانية بالقضاء على الإرهاب.
الكتاب يجيب بأنها سيناء المنطقة الإستراتيجية الواصلة ما بين قارتى آسيا وإفريقيا وإمكانياتها الكبيرة سواء فى خاماتها وثرواتها المعدنية التى تكتنزها أرضها وصلاحية أراضيها للزراعة لكن رغم كل هذه الإمكانات ظلت أرضا فراغا من التنمية والعمران لعقود جعلت الأطماع تستمر وتزداد حتى جاء المخطط الحديث بأن تصبح أرض ترانسفير الأشقاء الفلسطينيين للقضاء على القضية الفلسطينية لكن وعى القيادة السياسية والقوات المسلحة بما يدبر لسيناء والأطماع التى لا تتوقف كان القرار الاستراتيجى الوطنى بالتصدى بكل قوة للإرهاب والقضاء عليه فى ملحمة بطولية لا تقل أبدا عن انتصار أكتوبر العظيم، ثم كان القرار بألا تترك سيناء دون تعمير فكانت خطة تنميتها والتى تصل تكلفتها لنحو التريليون جنيه، وكان الموقف المصرى الحاسم والخط الأحمر الذى وضعه الرئيس السيسى، لا تهجير للفلسطينيين ولا تصفية للقضية ولا تهاون فى أمن مصر القومى ولا تفريط فى شبر واحد من أرض سيناء، تحت أى مسمى، موقف وصلت رسالته إلى كل قيادات دول العالم ليضع حدا للمحاولات الخبيثة.
إن كتاب «سيناء بين قيود الماضى وتحديات المستقبل» وثيقة مهمة تستحق أن يقرأها كل أبناء الجيل الجديد ليعرفوا معنى الوطن وقيمة الأرض ولماذا يضحى الرجال من أجلها، لماذا قدمت مصر الشهداء من أبنائها الأبرار عبر التاريخ خاصة على أرض سيناء من أجل الحفاظ على أرضها ومكانتها، شكرًا القائد الكبير اللواء مسعد ششتاوى.