الأزهر والكنيسة وثورة يوليو
المسلمون والمسيحيون فى مصر، وفى كل دول العالم تقريبًا، هم الأقرب مودة لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أما أشد الناس عداوة لها، ولمن قاموا بها وباركوها، فهم اليهود، الذين أشركوا، وأتباع أو عبيد الإرهابى حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان الضالة، الذى كان «أداة فى يد الرجعية، وفى يد الرأسمالية اليهودية، وفى يد الإنجليز»، كما وصفه أحمد حسين، مؤسس وزعيم حزب «مصر الفتاة»، فى ١٧ يوليو ١٩٤٦، على صفحات جريدة الحزب.
لا نخلط الدين بالسياسة، ولا نرمى أحدًا بالكفر أو الشرك، أو الطوب، بل نحاول، فقط، أن نضع بيانين أصدرهما الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فى مواجهة ذلك الهجوم الشرس، الذى يتجدد سنويًا ويتمسح فى الديانتين، على ثورة مجيدة، أو حركة مباركة، خلصتنا من الاحتلال، وأحدثت تحولات جذرية فى بنية المجتمع، واجتازت بها مصر فترة عصيبة من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، تآمر فيها الخونة على الجيش وولّوا أمره إلى جاهل أو خائن أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.
وقت قيام الحركة المباركة أو الثورة المجيدة، كان تعداد الدولة المصرية ٢١ مليونًا تقريبًا، بينهم نصف مليون فقط من الطبقة العليا وأربعة ملايين من الطبقة المتوسطة. وعليه، كان حتميًا أن يتم تذويب الفوارق الطبقية الرهيبة، بسياسات وقرارات، نقلت ملايين الفقراء إلى الطبقة الوسطى عبر الإصلاح الزراعى والتعليم وفرص العمل. وبالإضافة إلى انتزاع السلطة من المستعمر وإنهاء وجوده العسكرى وانتشال اقتصاد البلاد من تحت سيطرته، و... و...، وغيرها من منجزات دولة ٢٣ يوليو، صاحبت التنمية الصناعية والاقتصادية، نهضة تعليمية وثقافية، استهدفت تزويد العمل الوطنى بإمكانات بشرية، كانت الظروف تحول بينها وبين العلم.
بعيدًا عن الموتورين، اليهود، المشركين والإرهابيين، قدم الأزهر الشريف، وشيخه، فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، كالعادة، «خالص التهانى» للرئيس عبدالفتاح السيسى، و«رجال القوات المسلحة البواسل» و«الشعب المصرى العظيم»، بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لـ«ثورة ٢٣ يوليو المجيدة»، التى أكد الأزهر، فى بيانه، أنها «ستظل واحدة من الأحداث المهمة فى تاريخ وطننا الحبيب، حيث كان لها دور مهم فى القضاء على الفوارق بين الطبقات، والانتصار للطبقات الفقيرة والكادحة من أبناء الشعب المصرى؛ كما ضربت المُثُل فى تحقيق المساواة بين أبناء الشعب». ودعا الأزهر فى «هذه المناسبة الغالية» أبناء مصر إلى مواصلة العمل بجدٍّ ومثابرة وإخلاص من أجل الارتقاء بمصرنا الحبيبة وازدهارها، داعيًا الله أن يحفظ وطننا الغالى من كل مكروه وسوء، وأن يُديم علينا الأمن والاستقرار والأمان.
كالعادة، أيضًا، تلقينا نحن «الشعب المصرى»، مع رئيس الجمهورية وقواتنا المسلحة، تهنئة شبيهة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، «بمناسبة ذكرى ثورة ٢٣ يوليو، التى تعد إحدى النقاط المضيئة على طريق نضال الجيش المصرى فى سبيل نهضة الوطن والمستقبل الأفضل للمصريين». وبعد التأكيد على أن ثورة يوليو أعادت مصر لأبنائها ومنحتها الاستقلال، وجعلت المصريين يحكمون أنفسهم بأنفسهم، دعت الكنيسة الله، فى بيانها، بأن يحفظ مصر، شعبًا وحكومة، وأن يبارك كل الجهود المخلصة الساعية إلى بناء الوطن وتحقيق أهداف الجمهورية الجديدة.
.. وأخيرًا، نرى أن عشرات الملايين الذين ملأوا شوارع مصر وميادينها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لم يكن هدفهم فقط إسقاط، أو كنس الإخوان، بل أرادوا تحقيق الأهداف الستة نفسها، التى قامت من أجلها ثورة ٢٣ يوليو، والتى لم نكن نبالغ، حين أكدنا فى مقال سابق، أن معظمها لم يتحقق، إلا خلال السنوات التسع الماضية، مصحوبًا بعملية إصلاح شاملة، مخططة ومدروسة. أما ما يجعل الثورتين علامتين فارقتين فى تاريخ مصر وجوارها العربى ومحيطها الإقليمى، فهو أن الأولى قامت بتوحيد الجهود العربية وحشد الطاقات لصالح حركات التحرر، والثانية أجهضت مخططات عديدة، كادت تلتهم دول العالم العربى، وأثبتت للأمة، من الخليج إلى المحيط، أن قوتها فى توحدها، وأن القوى الدولية والإقليمية المتربصة بها ستفتك بالشارد منها.