نتنياهو وأوربان.. غرام فى بودابست
هذه هى الولاية التى ستحدد مكان نتنياهو فى التاريخ، وستحدد إرثه بين قيادات إسرائيل، بين إنجازات اعترف بها منافسوه، والفجوة بين قدراته الاستثنائية وحاجاته السياسية والشخصية، وبين الألقاب التى حملها: مستر أمن، مستر أمريكا، والأهم هو لقب الدبلوماسى الأول. نتنياهو يحب العلاقات الخارجية، يعمل على تنشيطها، وتحريكها يمينًا ويسارًا، قصة نتنياهو فى العالم أكثر إثارة من قصته داخل إسرائيل.
بعد فوز كتلة نتنياهو اليمينية فى الانتخابات العام الماضى، كانت هناك تغريدة لافتة من رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، قال فى حينه: «يا له من نصر عظيم لبنيامين نتنياهو فى إسرائيل! الأوقات الصعبة تتطلب قادة أقوياء. مرحبًا بعودتك!» أرفق صورة له وهو يحمل كتاب «بيبى قصة حياتى» وكتاب مذكرات نتنياهو الجديدة. التغريدة كانت تتويجًا لعلاقة وثيقة ربطت بين نتنياهو وأوربان، الذى تولى السلطة عام ٢٠١٠، وقبلها بعام كانت بداية حكم نتنياهو «٢٠٠٩».
المجر لها مكانة فى جدول أعمال نتنياهو، فى كل ولاياته، وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين أجرى زيارة إلى المجر فى أواخر مايو الماضى، وكانت أول زيارة لوزير إسرائيلى منذ تولى الحكومة الإسرائيلية الحالية الحكم.
وبسبب عملية «السهم الواقى» تم تأجيل زيارة جيرجيلى جولياس، الذى يشغل منصب وزير فى مكتب رئيس الوزراء المجرى لإسرائيل. وكان من المقرر أن يلتقى الوزير نتنياهو فى القدس ويلقى محاضرة عامة حول «الشرعية الديمقراطية» فى المجر.
المجر، على الرغم من كونها عضوًا فى الاتحاد الأوروبى، فقد كان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها خصم للاتحاد بسبب سياستها التى تضعها محل انتقاد.
تنتهج المجر أجندة دينية محافظة مستقلة، وتتحالف بشكل قوى مع اليمين الإسرائيلى أو بشكل أكثر دقة مع نتنياهو، وتتمتع حكومة أوربان اليمينية بعلاقات حميمية مع حكومات نتنياهو، ودعمت بودابست بشكل فعال إجراءات الإصلاح القضائى لحكومة نتنياهو «والتى عارضها الاتحاد الأوروبى»، وهو ما يشبه الخطوات التى اتخذتها بودابست نفسها قبل عدة سنوات.
فى حينه، استهدف حزب فيدسز الذى ينتمى إليه أوربان محاكم البلاد بعد انتخابه فى عام ٢٠١٠، وأصلح الدستور وزاد من السيطرة السياسية على المحاكم. ويُنظر إلى هذه التحركات على أنها محورية فيما يسميه النقاد التراجع الديمقراطى فى المجر.
وأعلن رئيس الوزراء المجرى أوربان علنًا عن دعمه تشريع حكومة نتنياهو للإصلاح القضائى، وفى اجتماع عُقد فى بودابست، التقى أوربان مع نشطاء اليمين الإسرائيلى، بما فى ذلك يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلى.
بينما حاولت المعارضة الإسرائيلية الربط بين خطوات حكومة نتنياهو فى الإصلاح القضائى وخطوات الحكومة المجرية لتقويض القضاء فى العقد الماضى، والتى فى نظرهم خطوات جعلت المجر «ديمقراطية غير ليبرالية» ومعرضة للانتقاد من قبل الاتحاد الأوروبى.
ليس فقط التشابه فى الإصلاح القضائى، كانت بودابست، فى السنوات الأخيرة، أقوى داعم لتل أبيب فى الاتحاد الأوروبى، حيث أعاقت العديد من الجهود لإصدار بيانات تنتقد السياسات الإسرائيلية.
أول يونيو الجارى، تحدثت تقارير عن أن المجر تعتزم نقل سفارتها فى إسرائيل إلى القدس. وكانت السلطات الهنجارية قبل شهرين قد أكدت أنه لم يتم التوصل إلى أى قرار، بينما صرح مسئول إسرائيلى لصحيفة «هآرتس» بأن المناقشات حول نقل السفارة المحتمل ما زالت مستمرة.
فإذا اتخذت المجر تلك الخطوة فسيكون تحديًا صارخًا لسياسات الاتحاد الأوروبى الذى يؤكد أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يجب أن يتم فقط بمجرد التوصل إلى اتفاق دائم يعالج النزاع السياسى فى المدينة بين إسرائيل والفلسطينيين.
قصة الغرام بها العديد من التفاصيل، فى عام ٢٠٢٠ كانت المجر تقريبًا الدولة الأوروبية الوحيدة التى لم تتحدث علنًا ضد خطة إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد، والمجر وبولندا هما الدولتان الوحيدتان فى الاتحاد الأوروبى اللتان امتنعتا عن انتقاد إرسال وزير الأمن القومى اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير كممثل للحكومة فى حفل استقبال دبلوماسى فى إسرائيل.
نتنياهو، الذى يحب أن يضايق الاتحاد الأوروبى، يستخدم علاقته بالمجر ودول فى أوروبا الشرقية لتقويض قرارات دول أوروبا الغربية.