متعة كرة القدم الخالصة
أحب محمود الخطيب.. هكذا، بلا مقدمات، وبلا مواربة، أو أى نوع من أنواع الحسابات، ولا أعرف كيف لا يحبه عاشق لمتعة كرة القدم، أو ذو صلة بأى نوع من أنواع الفنون، ولو مجرد محب «زى حالاتى».. ليس مهمًا أن تشجع فرق نادى الأهلى أو غيرها لكى تحب محمود الخطيب، وأغلب الظن أنه ليس هناك من بين مَن يعرفونه شخصيًا من يمكن ألا يرتاح إلى تلك النظرة الهادئة، والصوت الخفيض، والروح الملهمة، أهلاويًا كان أم مشجعًا لأى فريق آخر.
وحتى وقت قريب، كان بعض الأصدقاء يندهشون من ردود أفعالى عندما نشاهد معًا أى مباراة لكرة القدم، ما عدا تلك التى يكون فيها محمد صلاح بالطبع، خصوصًا المباريات التى يكون طرفاها ناديى «الأهلى» و«الزمالك»، فلا يعرف أحد إن كنت «أهلاويًا» أم «زملكاويًا»، بسبب انفعالى مع هجمات الفريقين، والذى يكاد يتطابق بصورة لا يصدقونها، وربما لا أصدقها أنا أيضًا، ولكن الحقيقة أننى أحب اللعبة الحلوة أكثر، وأحب اللاعب الموهوب أكثر وأكثر.. فلم يكن من فارق عندى بين الفريقين، وإن حدث وتابعت مباراة تجمعهما، لم يكن يفرق معى أيهما يفوز.. متعة كرة القدم كفن قادتنى من قبل إلى محبة حسن شحاتة وفاروق جعفر وعلى أبوجريشة والغزال إبراهيم يوسف وحازم إمام، وتجعلنى أبتسم طربًا عندما أرى ما يفعله «زيزو» أو «تريزيجيه» كثنائى متفاهم مع محمد صلاح فى مباريات المنتخب.. ولعلها ليست المرة الأولى التى أذكر فيها أننى أقلعت عن مشاهدة مباريات كرة القدم لفترة طويلة بعد مباراة اعتزال الكابتن محمود الخطيب.. تابعت القليل منها، وحاولت المواصلة حتى صدمنى تحول اللعبة من متعة بصرية إلى مجرد صراع على إحراز الأهداف، وانتقالها من الاعتماد على المهارات الجمالية إلى صراع جسدى، يتقدم فيه «جسد» كهالاند على مراوغ وقناص مثل محمد صلاح.
وما زلت أذكر المباريات التى كنت أجلس، صغيرًا، فى انتظار وصول الكرة إلى «بيبو» متيقنًا من المتعة المصاحبة لاستقباله لها، وتعامله معها، لا يهم إن كان على حد منطقة الجزاء فيكون هدفًا، أو بالقرب من منتصف الملعب فتكون تمريرة مدهشة، ناعمة، حاسمة، ممتعة.
هو.. متعة اللعبة الحلوة، وغزل الإنسان لما لديه من أدوات، يصنع بها ما يليق بالحياة من جمال وإبهار وفن.. وجه لا يحمل غير رسائل الهدوء والطمأنينة، لا يعرف الاستسلام لموجات الغضب، فلا يغلبه انفعال بلا أثر، ولا تجره كلمات صغيرة إلى معارك أقل من قيمته ومكانته ومحبته واحترامه للكبير والصغير، يملك القدرة على جمع المحبة، وبثها فى محيطه الشخصى والعام، فتكون مسرة تغمر الجميع، ويكون الإنجاز هو اللغة التى يستهدف الجميع تعلمها، والسير على خطاها، وفى طريقها.
يحبه جمهور نادى الأهلى باعتباره مرادفًا لغالبية انتصارات فريقه لكرة القدم، ولما جمع من أهداف طوال تاريخه فى الملاعب، أو ما صنع من أهداف وتمريرات حاسمة.. لكننى أحب وجوده فى أرض الملعب، ولو فى حجرة زجاجية معقمة، ولا أنسى يوم أن كان مصابًا، ودفع به مدرب الفريق فى الشوط الثانى من مباراة نهائى كأس إفريقيا ضد نادى «المرسى» التونسى، فكان هدف «الأهلى» الثانى من قذيفة أطلقها من خارج منطقة الجزاء لتسكن الشباك، وتنتهى المباراة بأربعة أهداف للأهلى مقابل لا شىء، أما مباراة «الأهلى» و«الهلال» السودانى فى نهائى بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدورى التى نزلها فى ربع الساعة الأخير، فلا أحد ينسى كيف أن وجوده فى أرض الملعب وحده كان قادرًا على أن يفعل ما لم يفعله أحد عشر لاعبًا قبل دخوله المستطيل الأخضر، ولا يكفى أى كلام لوصف ما فعله فى مباراة «الأهلى» و«دراجونز» البنينى فى ربع نهائى أبطال كئوس إفريقيا ١٩٨٥، من أهداف بالكعب، وأخرى بالاستحواذ على الكرة من منتصف الملعب وحتى الوصول إلى شباك الخصم.. وغيرها الكثير والكثير من المباريات التى كان يكفى وقوفه على خط التماس لكى تشتعل المدرجات فرحًا فى انتظار ما يفعله ذلك الساحر المجنون بالكرة وبالخصوم.
لا يحتاج الخطيب إلى إحراز البطولات لنادى الأهلى، يكفيه ما حقق، وإن كان مجرد وجوده وسط اللاعبين، أو إلى جوارهم يكفى لكى يفعلوا أقصى ما لديهم، وما لا يتخيله أحد.. وأغلب ظنى أنه لا يوجد لاعب فى نادى الأهلى، حاليًا، يمكنه أن ينام مرتاحًا إن داخله شك فى أنه سوف يخذل الكابتن محمود الخطيب، الذى يعرف الجميع أنه جزء أصيل من تاريخ كرة القدم المصرية، وجزء لا يستهان به من تاريخ النادى.
وأغلب ظنى أننى لست بحاجة إلى مبررات أو مقدمات لكى أكتب عن محمود الخطيب، الذى أمتعنى بلمساته الذكية، صغيرًا، ويبث وجوده فى أرض الملعب الاطمئنان ويقين الفوز، فى نفسى كبيرًا.. هو من هو، «بيبو»، محمود الخطيب، متعة كرة القدم الخالصة، وساحرها الذى دانت له الملاعب، وذابت فى عشقه، وتغنت باسمه الجماهير.
دمت بخيرٍ يا كبير.