المعارضة على طريقة «خالتى بمبة»
مواليد عقد السبعينيات مثلى كانوا آخر من ارتبط بالمسلسل الإذاعى «عيلة مرزوق أفندى».. من بين شخصيات هذا المسلسل كانت شخصية «خالتى بمبة» التى أدتها باقتدار الممثلة الراحلة ملك الجمل.. كانت «خالتى بمبة» تعبر عن نموذج المرأة الثرثارة التى تفتى بغير علم وتتحدث بدون معلومة وتتكلم لمجرد الكلام وكأنها تقول.. نحن هنا.. بعض المشاهير على تويتر يذكروننى بنموذج خالتى بمبة حين يتصدون للحديث فى الشأن العام.. بعضهم أصابته حرفة السياسة على كبر بعد أن فرغ من تكديس المليارات فى بنوك الخارج فتفرغ للكتابة على الموقع الأزرق.. من نافلة القول أننى أحترم المعارضة المبنية على موقف فكرى ومعلومات محددة ومجهود يبذله صاحب الرأى المعارض لمعرفة الواقع، ولكننى بكل تأكيد لا أحترم المعارضة على طريقة خالتى بمبة.. لأنها معارضة تقوم على كيد يشبه كيد النساء، لا على موقف فكرى واضح.. فضلًا عن أن أصحابها لا يبذلون الجهد الكافى للحصول على المعلومات.. من نماذج المعارضة على طريقة خالتى بمبة ما قاله بعضهم عن أن الدولة تنتهك رفات الموتى فى المقابر التى يتم نقلها لتوسعة طريق جديد.. هذا موقف مبنى على الجهل والكيد.. نقل بعض المقابر من مكانها ممارسة تتم فى كل مدن العالم.. وتتم فى القاهرة الحديثة منذ تأسيسها فى عهد الخديو إسماعيل.. يروى الأستاذ عباس الطرابيلى فى كتابه «أحياء القاهرة المحروسة» أن ميدان العتبة كان مكانه مقابر قديمة.. وأن هذه المقابر أزيلت وتم دفنها فى مسجد بعابدين حمل اسم «جامع العظام» ما زال موجودًا حتى الآن.. فى التسعينيات تم شق أوتوستراد صلاح سالم وسط المقابر القديمة ليربط وسط البلد بمدينة نصر.. كان الكاتب الكبير خيرى شلبى يكتب يوميًا على مقهى فى منطقة مقابر قايتباى.. أتاحت له الظروف أن يرى ماذا فعلت البلدوزرات وقتها برفات الموتى، وكيف تم انتهاك حرماتهم أثناء شق الطريق.. لم يكن هناك وقتها تويتر وفيسبوك ليتم من خلالهما التشهير بالحكومة والدولة ورئيسها!.. أو ربما كانت المعارضة تتسم بالنضج الكافى لتفهم أن شق هذا الطريق فى مصلحة المصريين جميعًا، وأن الدولة لا تتحمل خطأ سائق بلدوزر أو مهندس مسئول عن موقع.. ربما لم تكن هناك فى الماضى حالة التربص والسعى لإسقاط الدول التى نراها الآن ويجند البعض نفسه لخدمتها.. ربما!
الأمر الطبيعى جدًا أن يسعى الناس لدفن موتاهم بعيدًا عن أحياء سكنهم.. وعندما تتسع المدن وتصبح المقابر فى وسط الكتلة السكنية فمن الطبيعى أن يتم نقلها مرة أخرى للخلاء.. أمر عادى جدًا لا يستدعى أى مزايدات أو تسخين للناس أو ركوب لموجة أو ادعاء لمعارضة.. تخيل حال القاهرة بدون ميدان العتبة الذى كان مركز القاهرة التجارى لعقود طويلة.. تخيل حالة المرور بدون طريق صلاح سالم!
نفس الأمر ينطبق على بعض الجهلاء الذين سخروا من بعض مراحل ممشى أهل مصر.. فلسفة الممشى تقوم على إتاحة النهر لكل المصريين كما يحدث فى كل بلاد العالم.. أهدرت الدولة حق الشعب فى التمتع بالنهر والبحر، وتمت أغلب التعديات فى زمن الرئيس مبارك.. تم تقسيم شاطئ النهر والبحر على كازينوهات ومطاعم ونوادٍ.. وحرم بقية المصريين من النهر.. أصبح هناك أمر واقع لا يمكن تغييره.. على شاطئ النيل فى الزمالك تحتل مجموعة قصور بقعة من أجمل مناطق النيل فى مصر.. لا يمكن بالطبع نزع ملكيتها لإتاحة الفرصة لبناء ممشى أهل مصر.. تم التفكير فى حل بديل هو بناء الممشى داخل النيل نفسه فى المنطقة التى تحتلها قصور الزمالك.. الحل موجود فى مدن مختلفة فى الصين وغيرها وله مبرره العملى بكل تأكيد.. ربما أغضب هذا أصحاب القصور والامتيازات والباشوات الجدد.. ربما شعر هؤلاء بأن امتيازاتهم لم تعد مصونة ومحمية، فبادروا لتشويه فكرة تهدف لإتاحة النيل لكل المصريين.. فكرة محترمة لم تجد من يدافع عنها ولا من يشرحها للناس فاستغل الفرصة بعض هواة الصيد فى الماء العكر.. بعضهم يجلس فى قصره مكتفيًا بالصيد فى الماء العكر وتسخين الأجواء عبر المواقع الزرقاء.. بعضهم يعارض على طريقة خالتى بمبة.. هذا اختياره لنفسه.. وهو حر.