بدائل قناة السويس.. التحدى والوهم
قرأت خبرًا عن تعاون عراقى تركى لإيجاد بديل لقناة السويس!.. قلت لنفسى إن الأخبار عن بدائل قناة السويس باتت تنافس أخبار الطقس وأسعار الذهب والعملات وربما سعر الخضروات فى سوق العبور.. والمعنى أنها باتت تُنشر بشكل يومى وكأن بدائل قناة السويس هذه طعام سريع التجهيز يتم إعداده فى دقائق ويحصل عليه الزبون مصحوبًا بالرائحة الشهية حتى لو لم يكن ذا قيمة غذائية تذكر.. كمحلل سياسى أعرف أن كثيرًا من هذه المشروعات يرقد فى ثلاجات السياسة منذ عشرات السنين وأن عقبات مختلفة تعترض تنفيذه.. فك الثلج عن هذه المشروعات له غرض سياسى بكل تأكيد.. هناك من يسعى إلى الأطراف المختلفة ويزين لها الأمر وربما يتكفل بتقديم التمويل الذى يلزم ويزيد.. ربما هناك رغبة فى أن يصل المصريون إلى حافة اليأس فى عام الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربما هناك غيرة من تزايد أهمية قناة السويس فى التجارة العالمية، وربما هناك خوف من طموح مصر المشروع لأن تصبح نمرًا اقتصاديًا فى الشرق الأوسط.. وكأن المطلوب من المصرى أن يأكل ويشرب وينام فقط ولا يحلم أبدًا بغد أفضل.. خلال أسبوع واحد نُشر خبران أحدهما عن تعاون روسى إيرانى والآخر عن تعاون عراقى تركى وكلاهما يهدف لإيجاد بديل لقناة السويس!! الدول الأطراف فى هذه المشاريع دول على علاقة جيدة بمصر وأغلب الظن أنها تتلقى عروضًا مغرية للحديث عن هذه المشاريع لأغراض إعلامية بالأساس.. منذ شهور سألت الفريق أسامة ربيع عن مشاريع بدائل قناة السويس فقال إن الهيئة تدرسها جيدًا وفى كل مرة يتضح أن هناك عشرات العقبات فى أرض الواقع تحول دون تحول هذه المشاريع لحقائق على الأرض.. بعض هذه العقبات سياسية وبعضها عقبات لوجستية تتمثل فى صعوبة انتقال البضائع من الموانئ إلى القطارات ثم عودتها للسفن مرة أخرى وفق تصورات هذه البدائل وهو ما لا يحدث فى قناة السويس.. وكان يحدث قبل شقها.. لا يعرف الكثيرون أن مصر هى ثانى دولة فى العالم مدت خطوط السكة الحديد عام ١٨٥٤ وكان الهدف نقل البضائع العالمية من السويس إلى الإسكندرية عبر القطار أو ربط شرق العالم وغربه عبر سكك حديد مصر.. مشاريع البدائل تؤكد أن ازدواج قناة السويس الذى أنجزته مصر كان أمرًا واجبًا وإنجازًا ناجحًا وأنه لا بديل عن الاستمرار فى تطوير القناة.. حجم التحديات واصطناع العواقب يشيران إلى أننا نسير على الطريق الصحيح.. فهذا البلد لا يحارب إلا إذا كان يسير على طريق النهضة ولا يربت الآخرون على أكتافه إلا إذا اطمأنوا أنه يغط فى سبات عميق.. مرحبًا بالتحديات إذا كانت هى ثمن النجاح والوصول بمصر إلى مكانتها اللائقة.. وفى انتظار أخبار عن بدائل أخرى لقناة السويس!.