لماذا لا تتحول القاهرة القديمة إلى محمية تراثية؟
يطرح مشروع تطوير القاهرة القديمة فى منطقتى السيدة عائشة والسيدة نفيسة عدة تساؤلات.
لماذا لا يتم عرض خطط التطوير للنقاش المجتمعى؟ لعل الجهات التنفيذية تتلافى عيوب تنفيذ المراحل السابقة، إن خطط التطوير أصبحت تغير على الأرض الكثير، وهذا يؤثر على هوية المدينة.
وكيف نريد جذب مزيد من السياح ونحن نهدر أجزاء من التراث يمكن تطوير قيمتها، وليس التساهل فى الاستغناء عنها، تحت تصور أنها ليست مسجلة ضمن التراث الأثرى، وكونها ليست من التراث فلأنه تم إهمال إدراج هذه المناطق فى التراث الحضارى، لأن اليونسكو والمنظمات المعنية بالحفاظ على التراث الإنسانى ستعترض على إنشاء كوبرى أو طريق يهدد هذا التراث، فبدلًا من التفكير وطرح الموضوع لنقاش مجتمعى يدلى فيه المختصون والخبراء برأيهم ويتم العمل بالمناسب والصالح وما يتوافق عليه أهل الحكمة، يتم اتخاذ قرارات وتنفيذها على أرض الواقع، مما يزيد الاحتقان ويهدر قيمة العلم والتفكير والعقل، ما دام كل شىء سينفذ، فما الداعى للتفكير، أى قيمة نقدمها لأبنائنا ونحن نزيل مقابر علمائنا وأدبائنا ومفكرينا.. على باشا مبارك، يحيى حقى، أحمد شوقى، الملكة فريدة.
حتى طه حسين، نبراس التنوير، من طالب بأن يكون التعليم متاحًا للجميع كالماء والهواء، ومن قهر المستحيل ليصبح عميدًا للأدب العربى، والمفكر فى مستقبل الثقافة فى مصر، يتم إنشاء كوبرى أعلى مقبرته، ولا يتم حتى إطلاق اسمه على الكوبرى.
التطوير يغير هوية وروح المنطقة منذ أعلنت محافظة القاهرة عن إزالة ما يقرب من ٢٧٠٠ مدفن بالقرب من ميدان السيدة عائشة، ومع إتمام توسعة بطريق صلاح سالم وإزالة بعض المقابر من جبانة المماليك المشهورة، التى تضم مقابر تاريخية وآثارًا إسلامية تعود إلى نحو خمسة قرون، ومنها مقابر مصنفة تراثًا عالميًا لدى منظمة اليونسكو، فى إطار مخططات حكومية لتوسعة شبكات الطرق الرابطة بين مناطق القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة.
ويزحف التطوير الذى لا يسمح بمناقشة أهدافه ورؤيته ولا أحد يعرف مستقره أو محطته الأخيرة.. ليصل لمقابر الإمام الشافعى والسيدة نفيسة، وداخل هذه المقابر أحواش تعتبر فى حد ذاتها متاحف ومزارات أثرية. ففى شارع الطحاوية بمقابر السيدة نفيسة توجد مقبرة مصطفى رياض باشا، رئيس وزراء مصر الأسبق، والحوش ذاته شُيد فى عصر توفيق باشا، وبجواره يوجد حوش آخر مُشيد بطراز معمارى فاخر هو حوش محمد صبرى باشا أبوعلم الذى كان وزيرًا للعدل، وتوجد مقبرة يحيى باشا إبراهيم رئيس الوزراء بين عامى ١٩٢٣ و١٩٢٤ الذى تولى لاحقًا مجلس الشيوخ.. كل هذه الشخصيات جزء أصيل من تاريخ مصر، وإذا استمرت سياسة التطوير بمنطق الهدم والإزالة فسيأتى يوم وتتم إزالة ما يتم تطويره الآن.
لا أحد ضد التطوير، لكننا ضد الاستسهال واختيار الهدم من أجل التطوير، إن هدم الشىء وإلغاء وجوده هو نفى للحاضر والماضى، لماذا يتم الهدم بهذا التساهل وكأنه ليس هناك بديل؟ لماذا يتم تجاهل رمزية المقابر والتساهل مع إجراءات هدمها، خاصة المقابر ذات الطابع التاريخى المميز، التى تتضمن عديدًا من مدافن شخصيات تاريخية تعود لأزمنة ماضية، مما يجب المحافظة عليه وتطويره، أسوة بما يتم مع العديد من المدافن التاريخية، لماذا لا نفكر فى رفع كفاءة هذه المناطق وتحويلها لمناطق تصلح مزارات سياحية.
إن إنشاء كوبرى أو طريق قد يحل مشكلة آنية، وهذه المشكلة ستتجدد بعد عشرة أعوام أو عشرين عامًا بسبب عدم القضاء على جذور المشكلة، فالهدم والتوسيع هو مُسكن وقتى، وليس حلًا.
من كان يتصور عند المرور بالطريق الدائرى فى أوائل الألفية أنه ستكون هناك حاجة بعد عشرين عامًا لهدم العمارات الملاصقة للطريق، من سمح أساسًا بأن يتم إنشاء طريق دائرى سريع دون أن يكون له حرم يعادل مساحته يمينًا ويسارًا لاحتمالية التوسعة؟ من منح هذه العمارات التى هدمت تراخيص البناء؟ إنها الجهات التنفيذية التى لا تمتلك رؤية استراتيجية، ليس هكذا تدار مقدرات الشعوب ويتم هدم إرثها.
ولعل هذا يطرح الرؤية القائلة بأن القاهرة لم تعد تحتمل كل هذا التطوير بهدم تراثها القديم وإنشاء كبارى وأنفاق ومحاور للطرق، وأنه آن الأوان للتعامل مع القاهرة كمحمية تراثية، وتسن القوانين التشريعية التى تحمى القاهرة من الهدم والتطوير معًا.
وللحديث بقية..