طبول الحرب الأهلية دقت في أفغانستان.. و”مسعود” يرفع راية العصيان
خيم شبح الحرب الأهلية على المشهد السياسي، لتصبح الصورة أكثر "قتامة" داخل أفغانستان، بعد سقوط البلاد في قبضة عناصر حركة طالبان الأصولية المتشددة.
وعزز إعلان محافظة بنجشير رفضها لتسليم الولاية الوحيدة التي لازالت خارج سيطرة طالبان، من المخاوف الدولية والداخلية باندلاع فتيل الحرب الأهلية مرة أخرى، داخل البلد الذي عانى مواطنيه من ويلات الصراع السياسي والعرقي والمذهبي منذ عام 1978.
ورغم الانتصارات الساطعة التي حققتها كتائب وعناصر حركة طالبان، والتي مكنتها من استعادة السيطرة على البلاد والوصول لسدة الحكم، بعد 20 عامًا من إزاحتها على يد القوات الأمريكية، إلا أن المقاومة التي تشكلت في محافظة "بنجشير" صعبت من مأمورية إخضاعها حتى هذه اللحظة، ما يزيد من فرص اندلاع الحرب الأهلية مرة أخرى.
ويقود نائب رئيس الدولة السابق أمر الله صالح، وأحمد شاه مسعود، حركة المقاومة ضد حكم طالبان.
ويُعد أحمد شاه مسعود وجهًا مألوفًا للمقاومة ضد حكم طالبان، فهو نجل القائد الميداني الراحل أحمد شاه مسعود، الذي قاد النضال ضد التواجد السوفيتي على الأراضي الأفغانية لسنوات طوال، حفرت اسمه كأحد أبرز رموز الوطنية والمكافحة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي لبلاده.
وأعلن شاه مسعود الابن، في تصريحات لوكالات الأنباء المحلية، استعداد قواته من أهالي بنجشير والمتعاونون معها للدفاع عنها وصد الهجوم الوشيك لحركة طالبان، مؤكدًا أن الاستسلام لعناصر الحركة يُعد خيارًا غير مطروحًا.
يشار إلى أن بنجشير هي واحدة من 34 محافظة تشكل البنية الأساسية لأفغانستان، وتتميز بأغلبيتها التي تنتمي لعرقية "الطاجيك"، علاوة على أهميتها الاستراتيجية، وممراتها الجبلية التي تربط المناطق الجنوبية والشمالية من البلاد.
وترسم التضاريس الوعرة لمحافظة بنجشير حائط صد منيع، فيما تزيد روافدها النهرية من حصانتها ضد أي محاولة للاختراق أو الاقتحام من قِبل طالبان.
وفرضت قوات المقاومة التي يقودها صالح وشاه مسعود الابن، سيطرتها على المدخل الوحيد للمحافظة المنيعة، بالاستيلاء على منطقة شاريكار بمحافظة باروان المجاورة، لتمثل أول نقطة سوداء في ثوب انتصارات حركة طالبان.
وواصلت المقاومة انتصاراتها الصغيرة على أرض الواقع الكبيرة استراتيجيًا بقطع الطريق الواصل عبر نفق سالانج، الذي يربط كابل بمزار شريف، أكبر مدينة في شمال أفغانستان.
وتأتي تلك الضربات لتمثل إعاقة خطيرة لعمليات إمداد طالبان، ما يؤكد أن محافظة "بنجشير" لن تكون لقمة سائغة للحركة الأصولية المتشددة، التي فردت ذراعيها على 99% من محافظات البلاد، وهو ما يفسر عدم محاولة عناصر طالبان لاقتحام معقل المقاومة حتى هذه اللحظة.
وأكد بعض المراقبين العسكريين أن نجاح حركة المقاومة في تكرار إنجازات شاه مسعود الأب، والتي حققها قبل 20 عامًا ضد حكم طالبان، تتوقف على مدى الدعم الدولي واللوجيستي الذي ستحظى به من خارج الحدود.
وناشد أحمد مسعود الابن المجتمع الدولي، بمد يد العون إلى المقاومة الشعبية ضد حركة طالبان، مؤكدًا أنها ستكون شوكة في ظهر الأمن والسلام العالمي، والتي ستجعل من بلاده نقطة ومركزًا لانطلاق الإرهاب إلى أغلب دول العالم.
ودعا أحمد مسعود الولايات المتحدة الأمريكية بالاضطلاع بدورها في مواجهة المد الإرهابي والاحتلال المذهبي والتمييز العنصري الديني الذي ستفرضه حركة طالبان على المواطنين الأفغان.
واستشهد أحمد مسعود بمقولة فرانكلين روزفلت التي قالها لمساعدة البريطانيين المحاصرين قبل دخول الولايات المتحدة كطرف في الحرب العالمية الثانية.
وطالب أحمد مسعود المجتمع الدولي عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة بالضغط على إدارة بايدن وبوريس جونسون للتحرك تجاه دعم حركة المقاومة التي يقودها ضد طالبان.
ورسمت المقارنة الفعلية لمعايير القوة بين الجبهتين المتصارعين في أفغانستان، تفوقًا كاسحًا لحركة طالبان، التي ضربت حصارًا حول ولاية بنجشير من جميع الجهات، علاوة على ترسانة الأسلحة المهولة التي استولت عليها في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها العسكرية.
ويستعد 100 ألف مقاتل تابع لحركة طالبان لشن هجوم وشيك على محافظة بنجشير التي يؤكد أغلب الخبراء العسكريين أنها لا تملك في جعبتها سوى 10 آلاف مسلح، جميعهم تحت إمرة أحمد شاه مسعود قائد المقاومة.
وطرح مسعود الابن خيار التفاوض مع قادة حركة طالبان لإبداء حُسن النية، شريطة الالتزام بتشكيل حكومة وطنية تضم كافة الأطياف وتمثل عرقيات الشعب الأفغاني على اختلافها وتنوعها، مبديًا رفضه التام لسياسة الإقصاء التي قد تنتهجا الحركة الأصولية المُتشددة ضد الجميع.
فيما المقابل تعاملت حركة طالبان مع دعوة أحمد مسعود بتجاهل تام، فيما ألمح مكتبها الإعلامي إلى احتمالية شن هجوم عسكري وشيك ضد قادة التمرد.
وجذبت دعوة أحمد مسعود للاصطفاف الوطني ضد حركة طالبان عددًا من الوجوه المعروفة، أبرزها الجنرال عبد الرشيد دوستم، الذي يتحرك وسط عشرة آلاف جندي بكامل عتادهم وأسلحتهم الخفيفة والثقيلة تجاه منطقة بنجشير.