قمة التنمية والسلام والسلاح
الجولة الأولى لرئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا، فى الشرق الأوسط وإفريقيا، بدأت إذن بزيارة مصر، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأحد، فى قصر الاتحادية، ونرى أن الوصف الأنسب للقاء، أو جلسة المباحثات التى عقدها الزعيمان، هو ذلك الذى وضعناه فى العنوان: «قمة التنمية والسلام والسلاح». وقبل أن تنتقل إلى الفقرة التالية، ندعوك إلى قراءة، أو إعادة قراءة، مقال أمس الطويل، وتغطية «الدستور»، الجريدة أو الموقع الإلكترونى، لما دار فى المباحثات.
يمثل كيشيدا دائرة هيروشيما الأولى فى البرلمان اليابانى منذ سنة ١٩٩٣، وصار وزيرًا فى عدة حكومات بين ٢٠١٢ و٢٠١٧، وفى ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١ اختير زعيمًا للحزب الديمقراطى الليبرالى الحاكم. وبحصوله على ٣١١ صوتًا مقابل ١٢٤ لزعيم المعارضة يوكيو إدانو، صار فى ٤ أكتوبر التالى رئيسًا للوزراء، وفى اليوم نفسه قرر حل البرلمان. وبإجراء الانتخابات فى نهاية ذلك الشهر، حصل الحزب وشريكه الأصغر فى التحالف، حزب «كوميتو»، على ٢٩٣ مقعدًا، برغم تحالف خمسة أحزاب منافسة.
المولود فى ٢٩ يوليو ١٩٥٧، بمدينة هيروشيما، نشأ على قصص الناجين من القنبلة النووية، التى أسقطتها الولايات المتحدة على مدينته فى نهاية الحرب العالمية، وراح ضحيتها العديد من أفراد عائلته. والمدينة، كما أشرنا، أمس، ستستضيف فى ١٩ مايو الجارى قمة «مجموعة السبع»، التى تترأسها اليابان لهذا العام. وانطلاقًا من هذه الخلفية التاريخية ومن التوترات الدولية المتسارعة، منذ الأزمة الأوكرانية، من المتوقع أن يدعو كيشيدا، خلال القمة، إلى إخلاء العالم من الأسلحة النووية، وهى القضية التى وصفها مرارًا بأنها قضية حياته.
اليابان «لا تصنع، ولا تمتلك، ولا تسمح بإدخال أى سلاح نووى إلى أراضيها»، وتلك هى المبادئ الثلاثة غير النووية التى اعتمدتها الدولة الصديقة منذ أن قامت الولايات المتحدة، بموجب أمر تنفيذى أصدره الرئيس الأمريكى هارى ترومان، بإسقاط قنبلة نووية على مدينة هيروشيما فى ٦ أغسطس ١٩٤٥، وأخرى على مدينة ناجازاكى بعد ثلاثة أيام. وتشير أقل التقديرات إلى أن ضحايا الأولى كانوا ١٤٠ ألف شخص، والثانية ٨٠ ألفًا، نصفهم مات فى اليوم نفسه، والنصف الآخر رحل متأثرًا بإصابته قبل نهاية تلك السنة، إضافة إلى مئات الآلاف الذين راحوا ضحايا التلوث الإشعاعى، أو أصيبوا بأنواع مختلفة من السرطان.
نزع السلاح النووى، أيضًا، قضية مصرية مصيرية، وهناك مطالبات متكررة «بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفى مقدمتها السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل الأخرى من قِبل جميع الدول دون تمييز»، وما بين التنصيص ننقله من نص المبادرة، التى أطلقتها مصر فى أبريل ١٩٩٠، تطويرًا لمقترح كانت قد تقدمت به إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم اعتماده فى ديسمبر ١٩٧٦، ويتكرر اعتماده سنويًا، وصولًا إلى بياننا الوطنى أمام «مؤتمر المراجعة العاشر لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية»، فى أغسطس الماضى، الذى أكد على أهمية تنفيذ التزامات الدول بشأن نزع السلاح النووى، وانتقد عدم السعى إلى تحقيق عالمية المعاهدة، وسياسة ازدواجية المعايير التى تتبعها بعض الدول فى هذا الصدد.
اللافت هو أن اليابان تعتزم «تعزيز قدراتها على الردع» حتى تتمكن من «حمل لواء السلام فى المنطقة»، طبقًا لما قاله كيشيدى، فى يونيو الماضى، أمام «منتدى حوار شانجريلا الدفاعى» فى سنغافورة. وعليه، أجرت الدولة الصديقة فى ديسمبر الماضى أكبر تعديل على سياساتها الدفاعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى تتمكن من امتلاك «قدرات الهجوم المضاد»، بعد أن كانت تكتفى بدور «الدرع»، وتترك دور «السيف» للولايات المتحدة. ثم ضاعفت إنفاقها العسكرى فى موازنة السنوات الخمس المقبلة، إلى ٢٪ من ناتجها القومى، أى ما يعادل ٣٢٠ مليار دولار، وبالتالى، ستصبح ثالث أكثر إنفاق عسكرى فى العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن عدد الرءوس النووية فى دول العالم المختلفة يتراوح، الآن، بين ١٥ و١٨ ألفًا، معظمها جاهز للإطلاق خلال أقل من ربع ساعة، وتكفى وزيادة لتبخير كل ما على الأرض من بشر وحيوانات ومنازل وأشجار وسيارات!.