عم ربيع.. البديع!
عم ربيع العجيب.. أحسب أني لو كنت طفلا لوضعت تلك الأيقونة على هامش رسوماتي الحميمة، ذلك الرجل الهش القوي، البشوش بعاطفة والمكافح بكبرياء وصبر، الحامل للروح الرهيفة وخبرة "رز بالجمبري" لا يؤكل، وأحسب أني لو كنت كبيرا لأحببته تماما كما يحب هو البحر، وسأرغب في قضاء أوقاتي بصحبته، كما يرغب هو تماما في انقضاء أجله على الموجات.
رشدي الشامي كان عالميا في صدقه، ومشاعره وتعبيراته، لم أصادف في حياتي ممثلا أشعر بالامتنان نحوه، مثلما صادفت مع هذا الرجل في دوره بمسلسل تحت الوصاية، الذي مارس طقوسه فيه بأداء منضبط حكيم لشخصية بحار طاعن في الكبر مغموس بالحكمة، وكأنه معين من "لحم ودم": يسند الضعيف بغير منّ، ويساعد بخبرته من دون أذى.
الرجل الذي أراه للمرة الأولى منغمسا في محبته، اكتشفت أنه نجم من نجوم المسرح المصري وعضو من أعضاء فرقة المسرح القومي وقدم من قبل الكثير من الروائع علي المسرح، ويعرفه كل متابع للمسرح، لكن الاستعانة النادرة به دراميا كانت متناسبة مع درس جديد بطله رشدي كذلك، درس يقول بأن الوصول ليس للأفضل دائما، فقد يصل من لا يستحق، لكن الجدير إذا وصل أدهش، وإذا ظهر توغل وتعملق، وإذا تمكن من القمة تجبرت موهبته لتغطي الوديان والسهول.
رشدي الشامي غالب على البقية في المسلسل، فربما يتصور البعض أن منى زكي أو محمد دياب أو أحمد عبدالحميد "شنهابي"، لهم الحظوة فيما تركوا من بصمة بالمسلسل، لكني بالحق أقول إن الرجل كان باهرا بلهجة ليست لهجته، عبقريا في مشيته ورعشته وحزنه الجارف الفلسفي، وأحسب أن الرجل قادر على أداء ما هو أعمق، دون ذرات عرق مساعدة أو صرخات متتابعة أو "دموع" من عين واحدة أو عينين.
أكتب هذا الكلام لأني ممتن لهذا الممثل البارع، الذي صدقته فأبكتني رجولته وحكمته، واستشعرت منه الأبوة لمن حوله، فمسني بقبس من حنين إلى أبي الساكن في عليين.. إلى عم ربيع البديع كل السلام والمحبة، وحفظ الله لأهل الموهبة إبداعهم ورحم الله كل حكيم على الأرض أو في الملكوت.