سبيل أحمد أفندى سليم
لقب «أفندى» مشتق من الكلمة اليونانية العامية «أفنديس»، واستعمله أتراك الأناضول فى القرن الثالث عشر الميلادى، ليطلقوه على الرجل الذى يعرف القراءة والكتابة، ثم صار لقبًا لبعض رجال دولتهم ومشايخهم. وخلال الاحتلال العثمانى لمصر، جرى منح هذا اللقب لنقباء الأشراف، الذين كان من بينهم أحمد أفندى سليم، صاحب السبيل المسجل برقم ٤٦١، التابع لمنطقة آثار جنوب القاهرة، وأحد الأسبلة المستقلة ذات الشباكين.
ككل نقباء الأشراف فى الدول التى احتلها العثمانيون، كان على نقيب الأشراف فى مصر أن يدفع مبلغًا كبيرًا للخليفة فى إسطنبول، أو الأستانة، قبل وخلال فترة شغله المنصب، وبالإضافة إلى مشاركته فى موكب كسوة الكعبة قبل مغادرتها مع الحجاج فى قافلة الحج، كان يقوم بمهامه التقليدية، وغالبًا ما كان يبنى المساجد أو الأسبلة، جمع سبيل، لإمداد المارة بالمياه اللازمة للشرب. وعليه، أنشأ أحمد أفندى السبيل، الذى يحمل اسمه إلى الآن، سنة ١١١١ هجرية، أو ١٦٩٩ ميلادية، على نمط تخطيط الأسبلة المملوكى، فى المنطقة التى كانت معروفة، قديمًا، بـ«حكر الخازن» أو «حكر بستان سيف الإسلام»، أو «درب الأربعين» أو «درب الحمام»، التى تقع حاليًا فى شارع أزبك بحى السيدة زينب، بمدينة القاهرة.
يطل السبيل على الشارع بواجهتين، إحداهما هى الواجهة الجنوبية الغربية، وبها أحد شباكى التسبيل، والثانية هى الواجهة الشمالية الغربية وبها شباك التسبيل الثانى. وكل واجهة تتكون من عقدين يرتكزان على عمود أوسط مثمّن. وبين هاتين الواجهتين، مساحة مستطيلة الشكل يتم الدخول إليها من باب مستطيل يؤدى يسارًا إلى حجرة التسبيل، التى يتم منها توزيع الماء على الراغبين، من خلال الشباكين، ولو اتجهت يمينًا ستجد السلم المؤدى إلى الكُتاب، المخصص لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن الكريم.
الجمع بين السقاية والتعليم بدأ مع بداية بناء الأسبلة فى مصر، فى القرن الثانى عشر الميلادى، السادس الهجرى، وكان يقيمها الأمراء والسلاطين ونساؤهم كأنها كفارة عن ذنوبهم، أو عما يفعلونه بأبناء هذا الشعب، ثم بناها الأغنياء، كصدقة جارية لأنفسهم أو لأبنائهم أو لأحد أقاربهم المتوفين. وكانوا أحيانًا يبنون بجوارها بيوتًا يأوى إليها المارة وعابرو السبيل. وعلى الخط دخل نقباء الأشراف، خاصة فى العهد العثمانى الذى صاروا فيه أعضاء فى ديوان الوالى، الباشا، مع أن «القلقشندىّ» فى كتابه «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» عدّ هذا المنصب «من الوظائف الدِّينية التى لا مجلس لها فى الحضرة السُّلطانية».
الغريب، هو أننا لم نجد أى معلومة، لدى المؤرخين القدامى أو المحدثين، عن أحمد أفندى سليم، باستثناء أنه كان نقيب الأشراف فى عهد قره محمد «باشا»، والى مصر، أو مندوب الخليفة العثمانى فيها، الذى شغل هذا المنصب منذ ١٦٩٩ حتى ١٧٠٤. والأرجح، هو أنه بدأ بناء السبيل فى ولاية حسين «باشا» الفرارى، الذى شغل المنصب خلال عامى ١٦٩٨ و١٦٩٩، أو فى ولاية حسن باشا القاطع، الذى كان واليًا لمصر منذ ١٦٩٧ حتى ١٦٩٨. ولعلك تعرف أن لقب والى مصر تغير من «السلطان» إلى «الباشا»، بعد الاحتلال العثمانى، وكان يتم تعيينه بـ«فرمان»، من السلطان العثمانى المقيم بالأستانة، أو إسطنبول، ليكون رجله، بفتح الراء أو كسرها، فى مصر، أو يده التى تنهب ثرواتها وتُفسِد فى أرضها وتبطش بشعبها.
.. أخيرًا، واستكمالًا لمشروع إنقاذ مائة مبنى أثرى الذى يقوم بتنفيذه قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، جرى صباح أمس الأول، الخميس، افتتاح السبيل بعد الانتهاء من أعمال ترميمه وتطويره، التى شملت معالجة الجدران، واستبدال الأحجار التالفة، وإزالة الطبقات المستحدثة، ومعالجة الأرضيات والأسقف الخشبية، وصيانة وترميم العناصر الزخرفية والنصوص الكتابية، وترميم أشغال الرخام، ومعالجة شبابيك التسبيل المعدنية، وتأهيل الموقع العام، ورفع كفاءة شبكة الكهرباء وإنارة جميع الفراغات الداخلية، إضافة إلى إنارة الواجهات والساحة الخارجية، بعد إنشاء سور لحماية السبيل.