فضيلة الإمام أحمد الطيب.. 13 عامًا على تولى المشيخة.. وهب حياته لنشر ثقافة التعايش والسلام والاندماج الإيجابى
ينتمى الإمام أحمد الطيب لأسرة صوفية عريقة ونَسَبٍ هاشِمى عَلَوِى شريف، وهو أستاذ فى العقيدة الإسلامية وصاحب فكرٍ إصلاحى معتدل، لا يميل إلى التشدد فى الدين ولا يقبل التفريط فيه، بل يفضل الوسطية التى يراها أفضل ما يميز الدين الإسلامى، مجسدًا فى ذلك المنهج الأزهرى الوسطى الأصيل بكل ما يحمله من إعمال للعقل وقبولًا للآخر وانفتاح على الحضارات والثقافات المختلفة.
ولد الشيخ أحمد الطيب فى القرنة بالأقصر، والتحق بجامعة الأزهر حتى حصل على شهادة الليسانس فى العقيدة والفلسفة عام 1969 ثم شهادة الماجستير من جامعة الأزهر عام 1971 ودرجة الدكتوراه عام 1977 فى نفس التخصص من جامعة الأزهر. ويوافق بعد غدٍ الأحد مرور ١٣ عامًا على توليه مشيخة الأزهر منذ عام 2010 خلفًا للدكتور محمد سيد طنطاوى ليكون الشيخ الخمسين للأزهر الشريف.
ويولى الإمام الأكبر أهمية كبرى للحوار بين الحضارات والثقافات والأديان المختلفة، مع الإيمان بخصوصية كل منها وضرورة احترام الاختلاف بين الأمم وأتباع الديانات، وهب حياته لنشر ثقافة التعايش والسلام والاندماج الإيجابى والأخُوة الإنسانية، وكان دائما - ولا يزال - مدافعًا عن قضايا الأمة الإسلامية ومواقفها الثابتة، وهو ما جعله يحظى بمكانة رفيعة فى العالم العربى والإسلامى وعلى الساحة الدولية، فضلًا عن تقلده العديد من الأوسمة والتكريمات العالمية، كما اُختير على رأس قائمة أكثر خمسمائة شخصية مسلمة تأثيرًا فى العالم لعامى ٢٠١٦ و٢٠١٧ على التوالي، وذلك فى التصنيف الذى يصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الملكى الإسلامى فى عمان بالأردن.
قوافل السلام
أطلق الإمام الطيب شيخُ الأزهرِ الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، فى عام ٢٠١٥م، مشروع "قوافل السلام"، وهو جهد مشترك بين الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، وتنوعت أنشطة تلك القوافل ما بين قوافل إغاثية وقوافل دعوية علمية يتم من خلالها إيفاد مجموعات علمية، من علماء وشباب وفتيات الأزهر المتخصصين فى الشريعة الإسلامية وعلومها، إلى إحدى الدول التى يتحدثون لغتها، وتقومُ هذه القوافلُ بتنظيم أنشطةٍ علميةٍ وفكرية مكثفة بالتعاون مع المؤسساتِ الدينيةِ والأكاديميةِ والتجمعات الشبابية فى تلك الدول، كما تنظم عددًا من الندواتِ الدينيةِ واللقاءاتِ الفكريةِ والمحاضراتِ العلميةِ؛ تهدُف كلُّها لتصحيح المفاهيم، ودعوة المسلمين إلى الإندماج الإيجابى فى مجتمعاتهم وتحصينهم من الوقوع فى براثن جماعات التطرف والإرهاب وذلك من خلال الرد على ما يدور فى أذهانهم من تساؤلات واستفسارات وفقًا للمنهج الأزهرى الوسطى القويم، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتخفيفِ حدةِ التوتر الدينى الذى يحيطُ بكثيرٍ من المجتمعات المسلمة.
قوافل إنسانية وإغاثية
لم تقتصر قوافل الأزهر على الوفود العلمية والدعوية فقط، حيث كلف فضيلة الإمام الأكبر، إدارة القوافل الطبية والإغاثية فى الأزهر بتكثيف عملها فى داخل مصر وخارجها، للتخفيف من معاناة المحتاجين وآلام المرضى، وذلك انطلاقًا من الدَّور الإنسانى والاجتماعى الذى يضطلع به الأزهرُ الشريف، والذى يعد مكملًا لدوره الدعوى والتعليمى.
وانطلقت العديد من القوافل الإنسانية والطبية والإغاثية، التى هدفت جميعها إلى إغاثة المنكوبين وتنظيم مساعدات إنسانية وطبية وأنشطة علمية وفكرية ودعوية وندوات دينية ولقاءات فكرية وكان أبرزها إرسال قوافل طبية وإنسانية إلى مخيمات مسلمى الروهينجا اللاجئين فى بنجلاديش وإلى تشاد والصومال ونيجيريا وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وقطاع غزة، فضلا عن القوافل التى تجوب مختلف أنحاء مصر خاصة فى المحافظات الحدودية والمناطق النائية.
بيت العائلة المصرية
إدراكًا من فضيلة الإمام الأكبر لقوةِ العَلاقةِ التاريخيةِ بين جناحى الوطنِ مُسلميه ومسيحيِّيه، ولقطع الطريق على أى محاولة للعبث أو تعكير صفو تلك العلاقة، طرح فضيلة الإمام الطيب فكرة إنشاء هيئة وطنية مستقلة باسم "بيت العائلة المصرية"عام ٢٠١١، وذلك بالتعاون مع قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية الراحل.
ويجمع بيت العائلة المصرية: الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة القبطية الكاثوليكية، والكنيسة القبطية الإنجيلية، والكنيسة الأسقفية الإنجليكانية.
وقد ساهم بيت العائلة المصرية - ولا يزال - برئاسة فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا تواضروس الثانى فى الحفاظ على نسيج الأمة المصرية والتأكيد على مبدأ المواطنة وإعلاء قيمة الوطن، كما نجح فى احتواء العديد من المشاكل التى تثار من وقت لآخر بين مسلمين ومسيحيين ومن ثم قطع الطريق على من يحاولون الوقيعة بين أبناء الوطن.
وفى أكتوبر ٢٠١٧، وقّع الدكتور محمود حمدى زقزوق، أمين عام بيت العائلة المصرية، والسفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بروتوكول تعاون لنشر مبادرة "بيت العائلة المصرية" بين أبناء الجاليات المصرية فى الخارج، ويستهدف البروتوكول أن يصبح "بيت العائلة" بمثابة "مظلة وطنية" تجمع المصريين فى الخارج، على اختلاف مشاربهم تحت سقفها، داخليًّا وخارجيًّا.
ونظرًا للجهود الوطنية المخلصة التى قدمها بيت العائلة فى خدمة القضايا المصرية والحفاظ على اللحمة الوطنية ونزع فتيل الطائفية؛ كان جديرًا أن يعبر هذا النموذج الفريد حدود الوطن وتسعى إلى تطبيقه بعض الدول والمنظمات الدولية، إضافة إلى تكريمه من بعض المؤسسات الدولية والتى كان آخرها إعلانُ منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة بدولة الإمارات، عن فوز "بيت العائلة المصرية" بجائزة الإمام "الحسن بن على" للسلم الدولي، وهو ما يؤكد أهمية دوره الكبير فى خدمة القضايا الوطنية.
بيت الزكاة والصدقات المصري
ينحاز الإمام الاكبر دائمًا الفقراء والمساكين من أبناء الشعب ويشعر بآلامهم، وأنشأ بيت الزكاة والصدقات المصرى كمؤسسة مستقلة ملك للشعب لأول مرة فى تاريخ مصر، قائلًا مقولته المشهورة (أنا رجل بسيط أحب الفقراء وأعيش دائمًا بينهم)، وانطلاقًا من الدورِ الاجتماعى لمؤسسة الأزهر الشريف، أشرف فضيلة الإمام الأكبر على إعداد مشروع قانون لإنشاء بيت مستقل للزكاة، ليكون مصدر ثقةِ المواطنين المتبرعين ودافعى الزكاة وإيصال الأموال لمستحقيها بكفاءة وفاعلية حسب أحكام الشريعة الإسلامية.
وفى ٩ سبتمبر ٢٠١٤، صدر القانون رقم القانون رقم (١٢٣) لسنة ٢٠١٤ بإنشاء "بيت الزكاة والصدقات المصري" تحت إشراف الإمام الأكبر، بهدف صرف أموال الزكاة فى وجوهها المقررة شرعًا، ولبث روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع. وقد توسع دور بيت الزكاة وحجم الأعمال التى يتلقاها فى السنوات الأخيرة، كما دعم بيت الزكاة بعض المشروعات القومية التى تستهدف الفقراء والمحتاجين فى مجالات التعليم والصحة والإسكان ومياه الشرب والصرف الصحي، وتطوير المناطق الأكثر احتياجًا.
ووضع الإمام الأكبر، بصفته رئيس مجلس أمناء بيت الزكاة والصدقات المصري، سداد ديون الغارمات كأحد أهم أولويات بيت الزكاة والصدقات، وطالب فى ٢٣ ديسمبر ٢٠١٤م، وزير الداخلية ووزير العدل بموافاة بيت الزكاة بقاعدة البيانات الخاصة بالمحكوم عليهم فى قضايا تتعلق بعدم سداد ما يستحق عليهم للدائنين حتى يتسنى لمجلس أمناء البيت اتخاذ ما يراه مناسبًا لأداء ديونهم.
مجلس حكماء المسلمين
قاد الإمام الأكبر مبادرةً لتأسيس مجلس لحكماء المسلمين يكون بمثابةِ هيئةٍ دوليةٍ مستقلةٍ، تهدف إلى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة، وترسيخ قيم الحوار والتسامح واحترام الآخر، وتجنب عوامل الصراع والانقسام والتشرذم، وبالفعل تم إنشاء المجلس فى ٢١ رمضان ١٤٣٥هـ الموافق ١٩ يوليو ٢٠١٤م، ليضم نخبة من علماء الأمة الإسلامية ممن يتسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطية.
ويُعتبر المجلسُ أولَ كيانٍ مؤسسى يهدف إلى توحيد الجهود فى لم شمل الأمة الإسلامية، وساهم بفضل جهود فضيلة الإمام الطيب فى إطلاق مشروع "قوافل السلام" بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وتخفيف حدة التوتر الدينى الذى يحيط بكثير من المجتمعات المسلمة، ومحاربة "الإسلاموفوبيا".
وبرئاسة فضيلة الإمام الأكبر واجه مجلس حكماء المسلمين العديد من القضايا الملحة التى تشغل الأمة الإسلامية مثل خطر الإرهاب والفكر المتطرف ودعا من خلال العديد من المؤتمرات علماء وحكماء الأمة للتحاور ووضع آليات مشتركة لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة التى تنسب نفسها عنوة للإسلام.
كما أولى مجلس حكماء المسلمين اهتماما بالغًا بالقضية الفلسطينية فضلًا عن قضايا الحوار بين الشرق والغرب والسلام العالمي.
مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة
وحرصًا من فضيلة الإمام الطيب على محاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة التى تُشَوه صورة الإسلام، ومواجهة الفتاوى الشاذة وتفنيدها وضبط فوضى الفتاوى فى العالم الإسلامي، أصدر فضيلة الإمام الأكبر توجيهاته بإنشاء "مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية"، ليقوم بدور عالمى فعال فى مكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك من خلال رصد كل ما تبثه التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بواسطة ١٢ لغة حية، والرد عليها بنفس اللغات، بما يحصن الشباب المسلم فى مختلف دول العالم من تلك الأفكار الضالة.
ولقد حقق المركز خلال السنوات الماضية نجاحاتٍ كبيرةً فى مجال الملاحقة الإلكترونية للأفكار الضالة التى تبثها جماعات التطرف والإرهاب ومحاربة الإسلاموفوبيا، بما يسهم فى تصحيح صورة الإسلام فى العالم.
مركز الأزهر العالمى للحوار
فى إطار اهتمام فضيلة الإمام الأكبر بضرورة الحوار بين الأديان والحضارات المختلفة، وتفعيل الحوار الحضارى بين الأزهر والمؤسسات الدينية والفكرية والعلمية فى العالم، أنشئ مركز الحوار العالمى عام ٢٠١٥ ليكون مركزًا عالميًا يسعى إلى ترسيخ العمل على قبول الآخر، ودعم التعايش المشترك، والتأكيد على القيم الدينية والإنسانية المشتركة بين الشعوب.
ومن أجل تعظيم دور المركز قرر فضيلة الإمام الأكبر عام ٢٠١٨ مدّه بشخصيات فكرية جديدة قادرة على الحوار والإقناع وعرض الموقف الإسلامى حول مختلف قضايا العالم بموضوعية ومحاورة الآخرين بالعقل والمنطق واللغة التى يفهمونها وتصل إلى عقولهم وقلوبهم.
ويقوم المركز بدور كبير فى التواصل مع المؤسسات الدينية فى العالم وفى مقدمتها: الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمى وكنيسة كانتربرى ببريطانيا، حيث عقد المركز جولات حوار متعددة داخل مصر وخارجها. فضلًا عن دوره فى المؤتمرات الحوارية التى نظمها الأزهر. وعلى المستوى الداخلى أيضًا كان للمركز دور فى جلسات الحوار المجتمعى مع الشباب فى عدد من محافظات مصر، بهدف إرساء قيم الحوار وتحصين الشباب والاستفادة من مقترحاتهم وأفكارهم، والمساهمة فى بناء المجتمع دينيًا وأخلاقيًا وثقافيًا واجتماعيًا، وذلك بمشاركة مختلف الفئات العمرية مع التركيز على الشباب.
وثيقة «الأخوة الإنسانية» من أجل السلام العالمى والعيش المشترك
تم توقيع تلك الوثيقة الأهم فى التاريخ الإنسانى الحديث بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، على هامش المؤتمر العالمى "الأخوة الإنسانية" فى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، فى فبراير ٢٠١٩.
وتطرقت الوثيقة إلى عدد من القضايا المهمة مثل تعزيز التعايش السلمى وحقوق المرأة والطفل والمسنين، حق كل إنسان فى الحرية اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا وممارسة، كما نبهت لمشكلات يعانى منها عالمنا اليوم مثل التشدد والإرهاب والفقر، داعية العالم أجمع إلى التكاتف من أجل عالم تسوده قيم التسامح والتعايش والسلام والأخوة الإنسانية.
وتشكلت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية التى تسعى إلى تحقيق أهداف «وثيقة الأخوة الإنسانية»، من خلال وضع إطار عمل تنفيذى للأهداف والغايات التى نصت عليها الوثيقة، وإعداد الخطط التنفيذية والبرامج والمبادرات الضرورية من أجل تفعيل بنود الوثيقة التى تنص على السلام العالمى والعيش المشترك وضمان مستقبل مشرق ومتسامح للأجيال القادمة.
استئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان
فى إطار المساعى الحثيثة لتقوية أطر الحوار الحضارى بين الشرق والغرب، نجح الإمام الطيب فى استعادة الحوار بين الأزهر الشريف والفاتيكان بعد توتر وقطيعة امتدت لنحو ١٠ سنوات، حيث بادر فضيلته بزيارة تاريخية للمقر البابوى بروما فى ٢٥ مايو ٢٠١٦م وبحث مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، تعديل اتفاقية الحوار المبرمة بين الطرفين عام ١٩٨٩، لتلائم مستجدات الأوضاع، والخروج منها برسالة قوية لمواجهة التطرف والعنف الذى يشهده العالم كله. وتوجت العلاقات بين الجانبين بالزيارة التاريخية والأولى من نوعها بابا الفاتيكان لمقر مشيخة الأزهر الشريف، حيث زار البابا فرانسيس فى ٢٨ إبريل عام ٢٠١٧م مشيخة الأزهر، فى إطار زيارته للقاهرة للمشاركة فى مؤتمر السلام العالمى الذى عقده الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين بالقاهرة، وجاء لقاؤه مع الإمام الأكبر ليمثل قمة تاريخية بين الرمزين الدينيين الأكبر فى العالم، وتأكيدًا عمليًا على نجاح جهود فضيلة الإمام الأكبر فى تنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل ترسيخ قيم السلام والتعايش والحوار، وأعقبت تلك الزيارة زيارة أخرى لفضيلة الإمام الأكبر إلى الفاتيكان فى ٧ نوفمبر ٢٠١٧م، على هامش زيارته إلى روما للمشاركة فى جلسات حوار الشرق والغرب.
مناصرة حقوق المرأة
أولى الإمام الأكبر منذ اعتلائه مشيخة الأزهر اهتمامًا كبيرًا لقضايا المرأة، واستنكر كافة اشكال التهميش والتمييز والعنف والاستغلال التى تتعرض لها المرأة حول العالم.
وخصص الإمام الأكبر جزءًا كبيرًا من خطاباته ومقالاته ولقاءاته التليفزيونية للتنبيه على حقوق المرأة وكافة القضايا الخاصة، كما دافع عن حقوق الفتيات الصغيرات ورفض زواج القاصرات لما يتضمنه من أذى نفسى وعقلى وجسدى للفتاة، وأعلن عن تأييد الأزهر للقانون الذى يحدد سن زواج الفتيات بـ١٨عامًا. كما دافع فضيلة الإمام عن حق الأم المطلقة فى رعاية أبنائها وعدم حرمانها منهم، وأيد تحديد سن الحضانة حتى الخامسة عشرة.
كما دعا إلى ضبط "ظاهرةِ فوضى تعدُّدِ الزواجِ وفوضى الطلاقِ" فى إطار الشريعة الإسلامية، ووجه فضيلته بتخصيص قسم لفتاوى المرأة بمركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية، يعمل به مجموعة من المفتيات المتخصصات للرد على تساؤلات النساء.
ولم يقتصر دعم الإمام الأكبر لقضايا المرأة على الجانب الشرعي، حيث عقد الأزهر الشريف بالتنسيق مع المجلس القومى للمرأة عدة حملات الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاضرات وندوات بالمدارس والمعاهد والجامعات الحكومية والخاصة تستهدف التوعية بحقوق المرآة، كما خصص فضيلته مبنى بفرع جامعة الأزهر المقام على مساحة ١٢ فدان بمدينة الخانكة بالقليوبية، لإنشاء أول كلية تربية رياضية للبنات تابعة لجامعة الأزهر، بما يعكس الاهتمام بالفتاة الأزهرية والحرص على مواجهة العادات والتقاليد البالية التى تحرم الفتيات من حقوقهم الطبيعية، وبدأت الدراسة بالكلية خلال العام الدراسى ٢٠١٧/٢٠١٨.
وحفاظًا على استقرار الأسر المصرية ولمواجهة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري، أطلق الأزهر الشريف فى شهر سبتمبر من عام ٢٠١٨ حملة "وعاشروهن بالمعروف " للتوعية بأسباب الطلاق ومخاطره، وتوضيح الأسس السليمة لبناء أسرة سعيدة ومتماسكة، كما أسس الأزهر الشريف فى السادس عشر من إبريل لعام ٢٠١٨م وحدة "لَمِّ الشَّمْل"، بهدف لم شَّمْل الأسر المصرية والصلح بين المتخاصمين فضلًا عن نشر الوعى وتوعية المقبلين على الزواج عن طريق الندوات والدورات.
كما شدد فضيلة الإمام على أهمية الحفاظ على حقوق المرأة وعلى رأسها حقوقها المالية، ووجه فضيلته بضرورة التوعية بحق المرأة فى الميراث، لذلك أطلق المركز الإعلامى للأزهر الشريف، بالتعاون مع مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، حملة بعنوان "نَصِيبًا مَّفْرُوضًا"، للتوعية بحق المرأة فى الميراث، وعقوبة حرمانها من حقها الشرعى فى الميراث، وتبعات ذلك على الأسرة والمجتمع.
واتخذ الإمام الأكبر موقفًا تاريخيًا حاسمًا تجاه ظاهرة التحرش الجنسى كآحد أخطر الظواهر الاجتماعية ضد المرأة، منتصرًا لكرامتها وحريتها وحقوقها، حيث جرم فضيلته التحرش إشارة أو لفظًا أو فعلًا، تجريًما مطلقًا ومجردًا من أى شرط أو سياق، واعتبره فعل يأثم فاعله شرعًا ولا يجوز تبريره بسلوك أو ملابس الفتاة. ولم يكتف فضيلة الإمام بمجرد إدانة واستنكار هذا الفعل المشين فقط ولكنه واجه الأفكار المغلوطة والتبريرات الخاوية التى يعتمد عليها أصحاب النفوس الضعيفة فى تبرير أفعالهم بتحميل الضحية جزء من الذنب بل واعتبارها فاعلًا رئيسيًا ومحفزًا على هذا السلوك المنحرف. وقد أشادت مختلف المؤسسات والجهات الدولية والمحلية المعنية بحقوق المرآة بموقف الأزهر الشريف من تلك الظاهرة.
وحرصًا من فضيلة الإمام الأكبر على دعم وتمكين المرأة المصرية، وتهيئة الظروف المناسبة لها للعمل وتقديرًا لظروفها الأسرية، أصدر فضيلته القرار رقم ٣٢ لسنه ٢٠١٨ والذى ينص على حظر نقل السيدات من أماكن عملهن مالم يكن برغبتهن إلا بعد عرض مبررات النقل واعتمادها من فضيلته شخصيًا. وجاء هذا القرار من أجل التخفيف على الموظفات بالأزهر وتقليل أعباء السفر للأماكن البعيدة عن عملهن فى مناطق كثيرة.
إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك
انبثق هذا الإعلان التاريخى عن المؤتمر الدولى "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل" الذى انعقد برئاسة فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين خلال الفترة (٢٨فبراير-١ مارس ٢٠١٧م)، والذى حضره أكثر من ٢٠٠ شخصية من ٦٠ دولة من النخب الدينية والثقافية والسياسية والمدنية الإسلامية والمسيحية فى الوطن العربى والعالم، كما شارك فيه كثير من رجال السياسة والفكر والثقافة والإعلام.
وأكد الإعلان على ضرورة تبنى مصطلح "المواطنة" باعتباره مصطلح أصيل فى الإسلام يضمن التخلص من العقبات والازمات التى خلفها انتشار مصطلح "الاقليات" وما يحمله فى طياته من معانى التمييز والانفصال لأنَّه يُؤدِّى إلى تَوزُّع الوَلاءات والتركيزِ على التبعيَّة لمشروعاتٍ خارجيَّة. وأدان الإعلان كافة التصرفات التى تقوم على التمييز وتتعارض مع مبدأ المواطنة والمساواة، كما أدان الإعلان كل ما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات من ضغوطٍ وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، وشدد على تبرئة كافة الأديان من الإرهاب بشتى صوره، كما أوصى بضرورة إقامة شراكة متجددة بين المواطنين العرب كافة تقوم على التفاهم والمواطنة والحرية.