حكم أداء العمرة عقب الانتهاء من أعمال الحج
يجوز شرعًا أداء العمرة بعد الانتهاء مِن مناسك الحج، وذلك بالخروج إلى "التنعيم"، أو مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، والإحرام بالعمرة من هناك.
حقيقة الإحرام وبيان أنواعه
مِن المقرَّر شرعًا أنَّ الإحرام مِن مناسك الحجِّ والعمرة، وهو أولُ المناسِك؛ وذلك لما أخرجَهُ الشَّيخان في "صحيحيهما" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى».
وقد اتَّفق الفقهاءُ على فرضية الإحرام، قال الإمام ابنُ حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 42، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا أنَّ الإحرام للحجِّ فرض] اهـ.
وحقيقة الإحرام شرعًا: أنَّه نيةُ الدخول في النُّسك، وهو على ثلاثة أنواع، هي: الإفراد، والتمتع، والقران.
فالإِفرادُ: هو أن يُحرم بالحج مِن ميقاته ويفرغ منه، ثم يُحرم بالعمرة، كإحرام المكي؛ بأن يخرج إلى أدنى الحلِّ فيُحرم بها.
وأما التمتع: فهو أن يُحرم بالعمرة مِن ميقات بلده في أشهر الحج، ويدخل مكة، ويفرغ مِن أفعال العمرة، ثم ينشئ الحجَّ من مكة.
وأما القِران: فهو أن يُحرم بهما مِن الميقات، ويعمل عمل الحجِّ، فيحصلان معًا.
والأصلُ في ذلك: ما أخرجه الشَّيخان مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "خرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام حجَّة الوداع، فمِنَّا مَن أهلَّ بعمرة، ومِنَّا مَن أهلَّ بحجٍّ وعمرة، ومِنَّا مِن أهلَّ بالحجِّ، وأهلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحجِّ".
وجهُ الدلالة: كان الصحابة أوَّلًا لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجُوه الإحرامِ، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج.
حكم أداء العمرة قبل الفراغ من أعمال الحج
الحج
حكى ابن القطان عن جمهور العلماء أن المحرم بالحج لا ينبغي له أن يحرم بالعمرة قبل فروغه من الحج، فقال في "الإقناع" (1/ 298، ط. الفاروق الحديثة): [وأجمعوا أنه لا ينبغي لأحد أحرم بحجة أن يُضيف إليها عمرة قبل فراغه من الحجة، إلا الأوزاعي فإنه أباح ذلك] اهـ.
والمختار أن العمرة قبل الفروغ من الحج لا تنعقد؛ لانشغال الحاج بأعمال الحج، وكونه مخاطبًا ببقية آثار الحج.
وقد نص على هذا فقهاء المالكية والشافعية.
فقال الشيخ الموَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (4/ 30، 35، ط. دار الكتب العلمية): [ومن مناسك المؤلف -الشيخ خليل- رحمه الله: أما العمرة فلها ميقاتان: مكاني وزماني، فذكر المكاني ثم قال: وأما الزماني فجميع أيام السنة وفي يوم النحر وأيام التشريق إلا أن يحرم بالحج فيمتنع عليه الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق، ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه، ولو نفر في النفر الأول لم ينعقد إحرامه بها، وكذلك لا ينعقد إذا أحرم بها قبل رميه لليوم الثالث ولا يلزمه أداؤها ولا قضاؤها، ويكره أن يحرم بعد رميه وقبل غروب الشمس من آخر أيام التشريق، وإن أحرم حينئذ لزمه الإحرام بها ومضى فيها حتى يتمها بشرط أن يكون طاف للإفاضة، وعلى هذا لا ينعقد إلا بشرطين: أن يرمي لليوم الثالث، وأن يطوف للإفاضة] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 223، ط. دار الكتب العلمية): [الميقات الزماني للعمرة جميع السنة... وقد يمتنع الإحرام بها في أوقات: منها: ما لو كان محرمًا بعمرة، ومنها: ما لو كان محرمًا بحج، فإن العمرة لا تدخل على الحج، ومنها: ما إذا أحرم بها قبل نَفْره؛ لاشتغاله بالرمي والمبيت، فهو عاجز عن التشاغل بعملها] اهـ.
حكم أداء العمرة عقب الانتهاء من أعمال الحج
أمَّا الإحرامُ بالعمرة بعد التحلُّلين والنُّفور مِن منى -وهو المسؤولُ عنه- فجائزٌ شرعًا، وينعقِد إحرامُه؛ لأنَّه بالنَّفْر خَرَجَ مِن الحجِّ.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 458، ط. دار الكتاب الإسلامي): [أما إحرامه بها -أي: العمرة- بعد نَفْره فصحيح، وإن كان وقت الرمي بعد النَّفْر الأول باقيًا؛ لأنه بالنَّفْر خرج من الحج، وصار كما لو مضى وقت الرمي، نقله القاضي أبو الطيب عن نص "الأم"، وقال في "المجموع": لا خلاف فيه] اهـ.
ويجِبُ على مُريد الإحرام بالعمرة أن يخرج إلى أدنى الحِلِّ، كالتنعيم أو مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، فيُحرِم منه بالعُمرة.
قال ابنُ القطان في "الإقناع" (1/ 285): [ولا يُهل الرجلُ مِن أهل مكة بعمرة، حتى يخرجَ إلى الحلِّ، فيُحرِم منه، بإجماعٍ من العلماء لا يختلفون فيه] اهـ.