كيف يمكن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟!
سيظل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أولوية تنموية استراتيجية في البلدان النامية؛ ذلك أنه يسهم في تدفق العملات الصعبة وتعظيم عوائد التصدير، ويعمل عمل على مكافحة الفقر وتوفير فرص عمل جديدة تمتص البطالة, كما يسرع بعملية نقل وتوطين التكنولوجيا لاسيما فائقة التطور ونقل الخبرات الفنية من البلدان الغنية المتقدمة للدول الفقيرة..
لكن هذا النوع من الاستثمار قد تواجهه مشكلات تتعلق بمدى وجود بيئة مناسبة وجاذبة وتشريعات وإجراءات إدارية ميسرة في الترخيص ومزاولة النشاط، وأخرى تتعلق بمدى قبول المجتمع المحلي للمستثمر الأجنبي الذي ارتبط في الأذهان بحقبة المستعمر المستغل!
البيانات الحديثة تقول إن الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يتدفق بشكل متزايد إلى قطاعات التصنيع التي تتطلب مهارات عالية ومتوسطة، وهو ما يحقق في النهاية مستويات دخل مرتفعة لكنه يحتاج لكوادر فنية مدربة ومتعلمة بدرجة عالية الأمر الذي يعيدنا إلى مربع التعليم ولا سيما الفني الذي ينبغي أن حظى باهتمام أكبر لتحقيق الهدف المنشود؛ خصوصًا أن العديد من الاقتصادات الناشئة بنت نموها على تدفقات مثل هذا الاستثمار.
ويبدو طبيعيًا في سياق كهذا أن تجتمع لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشيوخ، لمناقشة حوافز الاستثمار ومعوقاته في مصر ولاسيما الاستثمارات الأجنبية التي تشتد حاجة اقتصادنا إليها هذه الأيام لتعويض خروج الأموال الساخنة من مصر بعد إقدام الفيدرالي الأمريكي على رفع الفائدة مرات عديدة بهدف مكافحة التضخم.
اللجنة ناقشت دراسة مقدمة من وكيلها النائب ياسر زكى بشأن معوقات الاستثمار والمحفزات لتحسين المناخ الاستثمارى وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر، وذلك بحضور ممثلى الحكومة؛ ونأمل أن تتحول توصياتها إلى واقع يجنى اقتصادنا ثماره المباشرة في تدفق العملة الأجنبية في شرايينه، لتعيد الهدوء والاستقرار لسعر الصرف الذي شهد تراجعًا للجنيه مقابل الدولار، الذي صعد بقوة جرجرت الأسعار لارتفاعات كبيرة لا يحتملها كثير من الأسر؛ والسبب في ذلك هو اعتمادنا على استيراد أكثر من 60 من غذائنا من الخارج.
المعادلة صعبة لكنها ممكنة؛ فتحقيق تجارب استثمارية ناجحة تكمن فى إمكانية الدولة فى الحفاظ على الاستثمارات الحالية وجذب استثمارات جديدة، ولذلك فإن إزالة المعوقات التى تواجه أعمال المستثمرين أمر لا بد منه، وذلك خلال دورة حياة المشروعات الاستثمارية، بالإضافة إلى مرحلة الترويج والجذب الاستثماري.
تحسين مناخ الاستثمار
دراسة النائب ياسر زكي مهمة لعدة أساب؛ لأنها أولًا جاءت من أحد نواب الشعب؛ ثم إن توقيتها بالغ الأهمية وسط ظروف دولية ومحلية بالغة التعقيد والعصوبة؛ وقد وضعت يدها على أهم معوقات الاستثمار وتحدياته الأساسية في مصر رغم ما تبذله الحكومة من جهود تشريعية وإجرائية لتذليل أي معوقات..
وعلى رأسها، كما تقول الدراسة، ضعف كفاءة مؤسسات الأعمال العامة والحكومية على وجه الخصوص، والجنوح إلى التعقيد والبيروقراطية وضعف الشفافية رغم -وهذا هو الأهم- حدة التنافس بين دول العالم على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع زيادة المخاوف من حدوث ركود تضخمى كان أحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ناهيك عن الزيادات الحالية والمتوقعة لأسعار الفائدة العالمية.
ويبدو ضروريًا والحال هكذا أن تسارع الحكومة لتنفيذ خطط متكاملة لتحسين مناخ الاستثمار بمختلف مكوناته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمؤسسية..
ومن ثم فقد أوصت تلك الدراسة بضرورة العمل على وضع إستراتيجية لتحديد نوع الاستثمار الأجنبى المستهدف والمجالات ذات الأولوية لزيادة فعالية الاستثمارات الأجنبية بالدولة، وتحديد خريطة استثمارية تعتمد على ميزات تنافسية متاحة فقط فى مصر، مثل استخدام مورد طبيعى يندر وجوده في دول أخرى، وتعظيم الاستفادة من موقعنا الاستراتيجى، ووفرة مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية ما يجعل مصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليمىًا للطاقة.
ولتحقيق أهداف كهذه ينبغي أولًا طرق الأبواب لمعرفة احتياجات المستثمر الأجنبى سواء بإجراء دراسات استطلاعية تشمل كبار المسئولين التنفيذيين بالشركات الأجنبية فى مصر أوعمل مقابلات تجمع ممثلي الحكومة مع قادة تلك الشركات لمناقشة توقعاتهم للمناخ الاستثمارى الأمثل من وجهة نظرهم وتحليل تلك التوقعات وحل مشاكلهم وتيسير أعمالهم..
وحتى تتحقق مثل الخطوة المهمة فلابد من البدء فورًا فى إجراء مزيد من الإصلاحات، وتحديد الأولويات الجاذبة للاستثمار، بعد دراسة وضع الدولة فى المؤشرات الدولية المختلفة (مدركات الفساد – سهولة الأعمال – الابتكار)..
فالعالم اليوم قرية صغيرة يعرف بعضه بعضًا بضغطة زر عبر محركات البحث والمواقع الإلكترونية.. وظني أن الحكومة مستعدة ولديها إرادة حقيقية لجذب الاستثمارات الأجنبية مع تشجيع الإنتاج المحلي وتوطين الصناعت خصوصًا فائقة التكنولوجيا؛ فذلك أهم طرق كبح جماح الدولار وتحقيق الاستقرار في الأسواق وتبديد المخاوف فليس عندنا ترف التراخي ولا التسويف ولا الاستسلام للروتين والبروقراطية.