د. أسامة الحديدي يكتب.. محمد والمسيح
يحتفل العالم فى هذه الأيام ببداية عام ميلادى جديد فى ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه وعلى نبينا سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، السلام، فكلاهما حمل للإنسانية جمعاء رسالة الحب والسلام.
فها هو سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم يحتفى بسيدنا السيد المسيح عليه السلام:
فعن أبى هُرَيْرَةَ، رضى الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فِى الْأُولَى وَالْآخِرَةِ» قَالُوا: كَيْفَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِىٌّ»، ولا يخفى على أحد أن من تمام إسلام المسلم هو إيمانه بجميع الرسل والأنبياء.
ولقد أثبتت السنون والأحداث أن الشعب المصرى بجميع أطيافه نسيج واحد، شعب متماسك ومترابط، كالجسد الواحد، فبالكاد يستطيع المرء فى الحياة العامة أن يفرق بين المسلم والمسيحى.
ويُعد نموذج التسامح الإسلامى المسيحى المصرى نموذجاً يُحتذى به فى التعايش الإيجابى، فعلى مر التاريخ ظهر هذا التعايش جلياً للقاصى والدانى، فلو عدنا لأحداث التاريخ نجد أن فى ثورة 1919م تجسد هذا التعايش ووقف سداً منيعاً أمام قوى الاستعمار التى حاولت بث روح الفُرقة والانقسام بين أبناء الشعب المصرى، مسلميه ومسيحيين، فإذا بهم يقفون صفاً واحداً أمام هذه المحاولات البغيضة، ويضربون أروع الأمثلة فى التعايش والوطنية والانتماء.
ورغم الاحتفال بالعام الجديد وميلاد السيد المسيح عليه السلام فإن قلوب المصريين جميعهم يعتصرها الألم ويملأها الحزن بسبب الأحداث الجارية على أرض فلسطين، مهد السيد المسيح، التى مشى وترعرع فى ربوعها، فتلك الجرائم التى يرتكبها المحتل الصهيونى ليلاً ونهاراً من قتل وتدمير تنافى الرسالات السماوية التى جاء بها الأنبياء جميعهم، وتحمل مبادئ الحب والسلام، كما جاء فى القرآن الكريم: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. [البقرة: 133]
وإن كنا نتحدث عن التعايش بين أبناء الشعب المصرى الواحد، مسلمين ومسيحيين، لا يفوتنا أن نذكر الموقف التاريخى والكلمات الخالدة للبابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عندما قال إن المسيحيين لن يذهبوا للقدس إلا يداً بيد مع إخوانهم المسلمين، ومنع المسيحيين من الذهاب إلى زيارة القدس، فى إشارة واضحة لرفض كل الانتهاكات التى تدور على أرضها المباركة.
ولا ننسى كيف وقف الشعب المصرى وقواته المسلحة الباسلة -بمسلميه ومسيحييه- جنباً إلى جنب على جبهة واحدة وسالت دماؤهم من شريان واحد، وضربوا أروع الأمثلة فى الحب والتفانى فى معركة العزة والكرامة، معركة استرداد أرض سيناء الحبيبة من المحتل الصهيونى الغاصب.
وعندما حاولت قوى التطرف والإرهاب تهديد هذا التعايش بادر فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، مع قداسة البابا شنودة الثالث بفكرة تأسيس بيت العائلة المصرية فى 2011م، وذلك أثناء تأدية واجب العزاء فى شهداء كنيسة القديسين الذين اغتالتهم يد الإرهاب والتطرف.
وجدير بالذكر أن أعضاء مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يحرصون خلال وجودهم الميدانى بالمحافظات على زيارة الكنائس ولقاء القساوسة والكهنة، وذلك فى إطار الجهود المبذولة للحفاظ على كيان واستقرار المجتمع المصرى، كما تضم اللقاءات التى يعقدها المركز من خلال برنامج التوعية الأسرية والمجتمعية الشباب، سواء من المسلمين أو من المسيحيين.
والأمثلة على الحب والسلام والتعايش الذى يمتاز به أبناء الشعب المصرى لا تسعها هذه السطور، ولعل أكبر شاهد على ذلك أن من يسير فى ربوع مصر الحبيبة يجد مساجد مصر تعانق كنائسها فى لوحة فنية يملأها الحب والسلام على أرض هذا الوطن الحبيب. وما زال أبناء هذا الشعب مستمرين فى معركة البناء والتنمية التى يقودها فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لتأسيس بناء الجمهورية الجديدة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1694518953288-0'); });