أغلب الفنانين الكبار ضحايا الشللية والجحود والنسيان؟!
الشللية في معجم المعاني الجامع اسم مؤنث منسوب إلى الشلل، ومعناه المتعارف عليه المحسوبية والمزاجية، وتشتق منه كلمة الشلة وهي مجموعة معينة مختارة ومحظية عند صاحب الأمر، وليس لها في الغالب دخل بالكفاءة ولا الخبرة! والانتماء لهذه الشلة يتطلب بعض المواهب الخاصة جدًا؟! أهمها النفاق والتحايل وتعد بيئة حاضنة للفساد، وهي حالة غير طبيعية، وإن صورها البعض غير ذلك فهي عكس فريق العمل المتجانس الذي يسعى ويدرك النجاح بكل قوةً عملًا لمصلحة المجموع وليس الفرد.
والشللية للأسف موجودة في كل مجالات حياتنا منذ زمن بعيد، ولكنها توغلت وطغت بشكلٍ مخيف وصادم في السنوات الأخيرة، ولعل تراجعنا في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية لنتيجةً طبيعيةً لهذه الآفة الخطيرة التي عمادها وشعارها الذي لا تتزحزح عنه قيد أنملة أهل الثقة دون أهل الخبرة والكفاءة!
الشللية في الوسط الفني
لا شك أن الوسط الفني في مصر مثله مثل باقي مجالات العمل، يخضع للشعار الذي صار قانونًا صارمًا يحكم مجالات حياتنا، الشللية والشلة الضيقة المقربة أولًا وأخيرًا، والشللية في الفن موجودة منذ بداياته، ولكنها كانت بشكلٍ مختلف عن الوقت الحالي، كانت أقرب إلى "team work" مجموعة من العناصر والأفراد.
فريق العمل المتفاهم والمتجانس والمتعاون الذي يبذل قصارى جهده لإنجاح العمل بكل عناصره لمصلحة الجميع، وليس لمصلحة شخص أو شلة بعينها، ومن ثم كانت المحصلة في أغلبها أعمالًا كلاسيكيةً خالدةً مثل أفلام شادية وكمال الشناوي وليلى مراد وأنور وجدي وإسماعيل ياسين والمخرج فطين عبد الوهاب وصلاح ذو الفقار وشادية ونور الشريف وبوسي ونور الشريف وميرفت أمين وغيرهم..
وهذا على النقيض تمامًا مما حدث في السنوات الأخيرة التي طغى فيها مفهوم النجم الأوحد، الذي صار له الحق في اختيار كل العناصر بدءًا من المؤلف والمخرج مرورًا بالفنانين المشاركين معه حتى الوجوه الشابة والثانوية أيضًا وقد يختار منتج العمل كذلك!
وفي الأغلب تحكم هذه الاختيارات معايير الراحة النفسية والحالة المزاجية، بعيدًا عن الموهبة والقدرات الفنية والكفاءة المناسبة للعمل، ولذلك فمن الطبيعي أن تأتي هذه الأعمال دون المستوى المأمول، ونجد أيضًا منتجًا له شلته الخاصة جدًا، والضيقة من الفنانين والمخرجين والفنيين لا يتعداهم في معظم أعماله.
وهو ما اشتكى منه جموع الفنانين كبارًا وصغارًا من كافة الأجيال، بل استغاث بعضهم برئيس الجمهورية لتعديل الأوضاع التي قال عنها نقيب الممثلين أشرف زكي الكل يعاني في الوسط الفني، بضع عشرات يشاركون بالأعمال الفنية بينما يجلس الآلاف في بيوتهم بلاعمل أو مورد للرزق؟!
خالد وحسن وأبو زهرة
تحسنت الأوضاع نسبيًا في الوسط الفني، ولكن ليس بالصورة المأمولة ، وجرى إنتاج عدد من الأعمال أكثر من ذي قبل، وشاهدنا فنانين ومخرجين وشركاتً كدنا أن ننساهم مثل الفنان القدير توفيق عبدالحميد في مسلسل يوتيرن العام الماضي، والمخرج الكبير محمد فاضل مخرجًا لمسلسل الضاحك الباكي بعد غياب ١٠ سنوات!
ورغم ذلك مازلنا نجد أغلب الفنانين والمخرجين يشتكون، ومن ثم نجد أغلب الفنانين مايزالون يشتكون من قلة العمل بسبب الشللية والتجاهل ، خاصة الكبار منهم أمثال خالد زكي صاحب البطولات والتاريخ الحافل في الدراما والسينما، والذي صرخ في أحد البرامج صرخة أوجعت القلوب ،عندما ذكر أنه يخشى أن يموت مديونًا بعد تجاهله ونسيانه من المنتجين والمخرجين لسنوات حتى باع سيارته عام ٢٠١١ وصار لا يجد حتى ثمن الدواء وانه يشعر بالقهر لهذه الأوضاع المؤلمة التي يعاني منها هو وأغلب أبناء جيله !
من الذي لم يستمتع بأفلام الفنان الكبير حسن يوسف الولد الشقي المدلل في السينما، خاصة خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات ممثلًا ومخرجًا ومنتجًا أيضًا، ورغم ذلك فهو يعاني من ندرة وجودة الأعمال التي تعرض عليه منذ سنوات عديدة، واشتكي كثيرًا من تجاهل المنتجين والمخرجين له وللفنانين القدامى، مشيرًا إلى أن ذلك مبعثه الشللية المتحكمة في الوسط الفني والجهل وقلة الوعي لدى أغلب المتحكمين في العملية الإنتاجية، عكس ما يحدث في أوروبا حيث يتم تقدير الفنانين الكبار تمامًا، وتصنع لهم الأعمال والأدوار خصيصًا وفقًا لمراحلهم العمرية ولعل ال باتشينو وروبرت دي نيرو وأنتوني هوبكنز خير أمثلة على ذلك.
والفنان القدير عبدالرحمن أبو زهرة أعلن هو الآخر استياءه من إهمال المنتجين والمخرجين لجيل الممثلين الكبار، مؤكدًا أنه يعاني من الاكتئاب ويشعر بالغربة في الوسط الفنى بعد ٦٠ عامًا من التمثيل والأعمال الناجحة والمهمة! وعلى نفس المنوال اشتكت نجوى فؤاد من التجاهل والجحود والنسيان من الوسط الفني ، مشيرةً إلى أنها لم تعرض عليها أدوار منذ ٧ سنوات، ولهذا تجد صعوبةً بالغةً في تدبير احتياجاتها الضرورية!.
كل الأجيال تعاني الشللية
ليس الفنانون الكبار القدامى وحدهم ضحايا الشللية والنسيان في الوسط الفني، بل كل الأجيال الفنية على اختلافها باتت تعاني بشدة من هذه الآفة الخطيرة، فالفنان أحمد عبد العزيز الذي كان أحد أهم نجوم الصف الأول في الدراما التليفزيونية خلال التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، اضطر أن يبيع بعضًا من أثاث منزله لمواجهة متطلبات الحياة له ولأسرته ، بعدما تناساه صناع الدراما لسنوات عديدة!
والفنان علاء مرسي اشتكى من التجاهل والنسيان والمعاناة من الركنة لسنوات وهو ومعظم جيله ووصف الأمر بأنه تحول إلى بطالة فنية! ومها أحمد كتبت على حسابها على فيسبوك إنها تجلس بمنزلها منذ عدة سنوات، وعاتبت نجوم جيلها خاصةً أحمد السقا وأمير كرارة لعدم الاستعانة بها في أعمالهما!
والفنان محمد نجاتي أشار إلى أنه لا يعمل لعدم وجود شلة له وعلاقات عامة، وهي التي صارت أهم بكثير من الموهبة! ولنفس السبب قررت الفنانة اللبنانية المصرية جيهان قمري ترك مصر والعودة إلى بيروت، حتى تتحسن الأوضاع الفنية وتجد وجيلها فرصًا بالأعمال الفنية بمصر من جديد.
ولمواجهة هذه الشليلة والبطالة لجأ بعض الفنانين إلى عمل مشاريع صغيرة من أجل تدبير متطلبات الحياة الضرورية ،مثل راندا البحيري التي دخلت في عدة مشاريع بعيدة عن الفن ولكنها اعترفت بالفشل فيها وتعرضها للنصب لأنها لا تجيد غير التمثيل فقط! وكذلك الفنان كريم الحسيني الذي كانت له أدوار مهمةً منذ طفولته مع كبار النجوم لم يجد حرجًا في تكوين مشروع لبيع المشروبات الساخنة على الطريق، بعدما عانى من نسيان المنتجين والمخرجين له منذ سنوات عديدة !.
عودة قطاع الإنتاج وصوت القاهرة
ولكل ما سبق أجد إنه لا مناص من عودة دور الدولة القوي والفاعل في العملية الفنية بعودة عمل الأجهزة التي أسستها في حقبات مختلفة ، وقدمت أعمالًا خالدةً مثل المؤسسة المصرية العامة للسينما، وبعدها قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي وجهاز السينما قبل أن يختفي أغلبهم! وبهذا يحدث التوازن والعدالة وتزيد الأعمال الجيدة وتخلق فرصًا أكثر لجموع الفنانين بالمشاركة مع القطاع الخاص من المنتجين والمحطات.