إغماءة على نهر السين.. حكاية فقدان شامبليون الوعى بعد فك رموز الهيروغليفية
أعلن عالم اللغويات الفرنسى جان فرانسوا شامبليون قبل قرنين من الزمان أنه تمكن من فك شفرة الهيروغليفية، وهو نظام الكتابة المصرى القديم الذى حير العلماء لعدة قرون، ويحكى موقع RFI الفرنسى قصة الإنجاز الذى أحدث ثورة فى الفهم البشرى لواحدة من أقدم الحضارات فى العالم.
فى سبتمبر 1822خرج رجل يبلغ من العمر 32 عامًا من 28 شارع مازارين في باريس انطلق بسرعة نحو نهر السين، حيث يقع متحف اللوفر على الضفة المقابلة قبل 29 عامًا. وتوقف أمام جسر الفنون، ذلك الجسر المعدني الجديد الذي بُني بأوامر من الراحل نابليون بونابرت، الذي توفي قبل وقت قصير.
اقتحم شامبليون معهد فرنسا، وهو مجتمع التعلم الذي تم إنشاؤه بعد وقت قصير من متحف اللوفر في مبنى كبير مقبب مقابل ذلك وبمجرد دخوله، هرع إلى مكتب جاك جوزيف شامبليون، أحد أعضاء المعهد، ألقى الشاب مجموعة من الملاحظات على مكتب الباحث، "لقد حصلت عليه!" صاح. ثم سقط على الأرض فاقداً للوعي .
هذه، على الأقل، الطريقة التي سارت بها قصة أحد أشهر الإنجازات التاريخية: كيفية فك رموز الهيروغليفية، وهو نظام الكتابة المعقد المستخدم في مصر القديمة.
تقول الأسطورة أن جان فرانسوا شامبليون الأخ الأصغر لجاك جوزيف سيطر عليه هذا العمل الفذ لدرجة أنه ظل طريح الفراش طوال الأيام الخمسة التالية، ولكن بعد حوالى أسبوعين، فى 27 سبتمبر 1822، قدم النتائج التى توصل إليها علنًا فى أكاديمية النقوش والكتابة الجميلة الفرنسية.
ما أدركه هو أن الهيروغليفية لم تكن مجرد صور تمثل كلمات، أو رموز صوتية تصدر الأصوات، بدلا من ذلك قاموا بدمج الاثنين وباستخدام معرفته باللغات الأخرى المستخدمة في مصر على مر القرون، بدأ شامبليون الأصغر في اكتشاف معناها.
الهوس بالمصريات
تبدأ القصة فى تسعينيات القرن الثامن عشر: ولد شامبليون في بداية العقد وفي نهايته كان نابليون يقود الغزو الفرنسي لمصر وقد جلبت الحملة الفرنسية، التي شهدت إرسال أكثر من 160 عالمًا وفنانًا إلى جانب الجنود، عشرات العينات والرسومات والمصنوعات اليدوية إلى فرنسا وأثارت هوسًا جديدًا في جميع أنحاء أوروبا: المصريون القدماء.
لكن فهم الحضارة المفقودة كان مستحيلاً دون فهم الهيروغليفية، التي لا يستطيع أي لغوي على قيد الحياة قراءتها، فلم يكتبها أحد منذ حوالي 400 م، وقد حاول العلماء العرب ترجمتها في العصور الوسطى، وحققوا بعض النجاح، لكن عملهم تم التغاضي عنه في الغرب. وبعد ذلك تعثر الأوروبيون.
ثم اكتشف الجنود الفرنسيون دليلًا محيرًا: قطعة حجر تم رصدها تحت حصن بالقرب من ميناء رشيد المصرى - أو كما أطلق عليه الفرنسيون اسم روزيت.
وكانت تحمل ثلاثة نقوش في الأعلى كانت هناك الهيروغليفية - "لغة الآلهة"، المخصصة للنصوص الرسمية - وفي المنتصف، كانت هناك "لغة الوثائق"، وهي كتابة مصرية أخرى تستخدم للأغراض اليومية، وفي الأسفل، لغة آخر سلالة حكمت مصر القديمة.
ولا يزال بإمكان الكلاسيكيين قراءة آخر هذه النصوص، وهذا يعنى أن العلماء كانوا قادرين على العمل بشكل عكسي بدءًا من معنى النص وحتى كيفية كتابته، وأخيرًا فهم كيفية عمل الهيروغليفية.
حملت القوات الفرنسية الحجر معهم إلى الإسكندرية، حيث سرعان ما وجدوا أنفسهم محاصرين بالقوات البريطانية. استسلموا في عام 1801، مع إصرار البريطانيين على المطالبة بأهم اكتشافاتهم الأثرية.
تم شحن "بيير دي روزيت" إلى إنجلترا، حيث انضم إلى المتحف البريطاني في العام التالي باسم حجر رشيد.