نهاد أبوالعينين: المسرح حياتى.. وبفضله التقيت زوجى وتخلصت من الاكتئاب
رغم نجاحها فى الدراما التليفزيونية ومشاركتها فى العديد من الأعمال المهمة، مثل «حدائق الشيطان» و«عايزة أتجوز» و«طاقة نور» و«أمل فاتن حربى» و«إلا أنا»، فضلًا عن فيلم «جنينة الأسماك» للمخرج الكبير يسرى نصرالله، لم تحب الفنانة الكبيرة نهاد أبوالعينين فى حياتها أكثر من المسرح، فهو بالنسبة لها الحياة.
لذا قدمت الفنانة الكبيرة نحو ٤٠ مسرحية فى الثقافة الجماهيرية، من بينها «خافية قمر» و«سمك عسير الهضم» و«حكاوى الحرملك» و«يوميات فاطمة» و«ليالى الورشة»، وعملت مع عدة فرق، مثل «السامر» و«الغد» فى البيت الفنى للمسرح، إلى جانب فرق مستقلة، مثل «المسحراتى» و«القافلة» و«الورشة».
ولكل هذه الأسباب، قرر مهرجان «إيزيس» الدولى لمسرح المرأة، تضمينها فى مشروعه «بنات إيزيس» لتوثيق حركة مسرح المرأة فى مصر، إلى جانب الفنانة سلوى محمد على، والفنانة ماجدة منير، والفنانة معتزة عبدالصبور، والفنانة عارفة عبدالرسول.
بهذه المناسبة وعن مسيرتها فى التمثيل المسرحى والدرامى والسينمائى، منذ بدايتها وحتى الآن، كان لـ«الدستور» الحوار التالى مع الفنانة الكبيرة.
■ متى بدأت علاقتك بالمسرح؟
- البداية كانت الافتنان بأصوات الممثلين والممثلات فى الإذاعة، فأنا من الأرياف ولم يكن متاحًا أن نشاهد المسرح آنذاك، وحينما جئنا إلى القاهرة لم يكن أمامى سوى الراديو، وأحببت أصوات الممثلين والممثلات فى المسلسلات الإذاعية، مثل: محمود ياسين وسميحة أيوب وزوزو نبيل، وزيزى البدراوى، التى كانت تشارك فى عمل إذاعى اسمه «الربيع»، وحينما كنت أسمعها كنت أشعر بأنها تطير بجناحات، وليست بشرًا مثلنا.
بعد ذلك التحقت بكلية الزراعة، وفى الجامعة سألت زملائى: «عندكم أى تمثيل فى الكلية؟»، فقالوا لى: «آه»، فطلبت أن أذهب لـ«الناس اللى بتمثل»، وتعرفت على المخرج صفوت قشيرى، وقدمت معه مسرحيات كثيرة، مثل «سمك عسير الهضم».
■ وكيف انتقلتِ للتمثيل فى مسرح الدولة؟
- اصطحبنى بعض الأصدقاء إلى قصر ثقافة الريحانى، وهناك عملت مع المخرج سيد شرويجى، وبعدها مع المخرج مراد منير، فى «جماعة المسرح المصرى»، وعملت بأكثر من مسرحية حينها، مثل «مغامرة رأس المملوك جابر» و«الملك هو الملك»، وأحببت العمل فى الثقافة الجماهيرية، لأنها ساعدتنى أن أكون مع الناس، ووصل عدد العروض التى قدمتها حينها إلى نحو ٤٠ مسرحية.
■ لماذا عملتِ فى الفرق المستقلة بعد ذلك؟
- حينما شاهدتنى الدكتورة نهاد صليحة لاحظت جرأتى وتعلقى بالمسرح، فعرفتنى على مسرح مركز الهناجر للفنون، وسلمتنى للدكتور سامح مهران، الذى كان يدشن آنذاك فرقة «القبضة»، وقدمت معه مسرحية «خافية قمر» عن رواية محمد ناجى.
كانت الهناجر بوابتى للتعرف على زملاء جدد، فعملت بعد ذلك مع المخرجة عبير على، فى فرقة «المسحراتى»، وقدمنا مسرحيات مهمة، مثل «حكاوى الحرملك». منهج فرقة «المسحراتى» فى العمل جعلنى أشعر بأن هذه هى الفرقة التى أتمنى أن أستمر معها، كنا نغنى ونرقص ونحكى ونمثل، وهذه هى صورة المسرح التى أتمناها وأحبها.. وهذا ما أبعدنى عن الثقافة الجماهيرية.
بعد ذلك عملت مع عفت يحيى، وقدمنا تجارب مهمة، وأعتبر مسرحية «يوميات فاطمة» علامة فارقة فى حياتى، وآنذاك حدث موقف أعتبره درسًا لن أنساه، فقد ذهبنا إلى مركز بنى مزار فى المنيا، لتقديم العرض فى بيت ثقافة أحرقته الجماعات المتطرفة، لنرد بفننا على الإرهابيين بتقديم مسرحيتنا فى نفس المكان.. كانت الجدران محروقة ولم يبق من المبنى سوى جدارين وباب، فاعتقدنا أن الناس لن تأتى لترى المسرحية، وخلال وقت قصير أصبح أمامنا نحو ١٠٠٠ متفرج.
خلال أحداث المسرحية، هناك مشهد أنام فيه وأنا أفكر وأدخن سيجارة، وحينما نظرت إلى الصف الأول من الجمهور وجدتهم بسطاء ومحافظين جدًا، فقلت لعفت يحيى مخرجة العرض: «لأ أنا مش هانام ولا هاشرب سيجارة»، فانزعجت وقالت لى: «لازم.. دى الشخصية»، فقلت: «لا يمكن.. مش خوف منهم، هما مش هايعملوا لى حاجة، بس هيكرهونى وهيكرهوا المسرح، وإحنا أكيد مش عايزين ده».
وبالفعل قدمت المشهد وأنا مربعة، زى ما بنقعد عندنا فى الفلاحين، وتفاعل الناس معى وصفقوا، وبعد العرض، جاءتنى سيدة وزوجها، وقالت لى: «إنت شبهى بالظبط»، وزوجها قال: «إحنا بنحس إن الممثلين والفنانين مش شبهنا.. بس إحنا حبناكى عشان إنت شبهنا خالص».. لن أنسى هذا اليوم، وبعد ذلك جاءتنى المخرجة وقالت لى: «اللى حصل ده عملى نقلة فى رأيى فى التعامل مع مسرح الأقاليم».. وكتبت هذا فى مذكراتها.
■ هل حصلتِ على تدريبات تمثيل؟
- نعم.. بالتأكيد، فالتدريب مهم جدًا لأى ممثل، وأنا أحب التدريب كما أحب التمثيل، وهناك تجربة مهمة جدًا فى حياتى، حدثت فى بداياتى.. آنذاك، كنت أمثل فى مسرحية «المساخيط»، لمحمد الفيل، وجاء الفنان هناء عبدالفتاح، الذى كان عائدًا لتوه من بولندا، وقرر العمل على مسرح «جروتوفسكى»، ودرّبنا لمدة عام كامل. تدربت لمدة ١٢ شهرًا استعدادًا لمسرحية، وكان الأمر مرهقًا لكنه جميل وسحرى، وكانت التدريبات طقسية، لدرجة أننى دخلت فى غيبوبة ذات مرة.
ومن أهم من دربونى وساعدونى على التخلص من أزماتى كممثلة، عبدالرحمن عرنوس، ذهبت إليه بعدما عرفت عنه، وقلت له: «عايزة أعمل معاك تدريب»، فتساءل: «ليه؟»، فقلت: «لأنى أحب التدريب، ولأننى تركت المسرح فترة (بسبب الخِلْفة)، فنظر لى بعينيه الذكيتين، وقال لى: (ده أنتِ لقية)».
تدربت معه بالفعل، وكانت هذه التجربة شديدة الأهمية بالنسبة لى، لأنها خلصتنى من مشكلات قديمة، مثل علاقتى بجسمى كممثلة.. أنا وزملاء كثيرون تعلمنا من هذا الرجل ومدينون له.
وأتذكر بالطبع تجربتى مع فرقة «الورشة»، التى استمرت ٣ سنوات، منها عامان أذهب للمسرح يوميًا من الساعة ٥ للساعة ١٠، لأتدرب على الغناء والرقص والإلقاء.. كان حسن الجريتلى يرى أن ما يحدث عادى، لكننى بالتزامن كنت أشعر بأننى فى حلم جميل.
المسرح هو الحياة بالنسبة لى، وهو سبب معرفتى بزوجى الراحل، والذى كان أحد كوادر حزب «التجمع».
■ كيف تعرفتِ على زوجك بسبب المسرح؟
- جيلنا كان يمزج بين المسرح والسياسة، فهناك من يدخل السياسة من باب المسرح، والعكس صحيح.. ويقول على الراعى: «المسرح اجتماع سياسى».
خلال عملى بالمسرح قابلت زوجى «إسماعيل»، وكان كاتبًا وناقدًا مسرحيًا وإذاعيًا مهمًا ومن كوادر حزب «التجمع». حينها كنت أقدم مسرحية تسمى «العقد»، ورأيته يتحدث عن أن اليسار «لازم يتلم مع بعضه»، لذا «اتلمينا واتجوزنا وخلفنا ابننا أدهم».
■ شاركتِ فى أعمال تليفزيونية كثيرة.. لماذا لم يبعدك ذلك عن المسرح؟
- المسرح حياة، المسرح يخرجنا من الاكتئاب، فالممثل «بيتحامى فى الناس.. والناس بتتحامى فيه»، أحب «البروفات» والتحدث عن القصص والشخصيات.. خلال العمل نأكل معًا ونتناقش ونتفق ونختلف «فكرة اللمة وإن إحنا بنفن.. أول ما بدخل الحالة دى ببقى مبسوطة.. ما اخترتش ومش هاختار غير المسرح.. ومش عايزة أى حاجة.. ماعنديش طموح فى أى حاجة، لا فلوس ولا شهرة.. أنا عايزة الوقت ده أقضيه بالمتعة اللى أنا بعيشها فى المسرح».
■ ما تفاصيل خطتك المستقبلية؟
- أحلم بأن أسافر لقرية بسيطة، وأقدم مسرحًا بسيطًا.. «شوية غُنا ورقص وتمثيل وحكى»، فأنا أحب الحكى، وأحب أن أحكى للناس وأراهم يحكون قصصهم.. لا أقدم مسرحيات حاليًا، لكننى أذهب إلى السوق كل كام يوم وأقعد بالساعتين أحكى.. وبعدين أروّح.
أحب أن أحكى مع بائعات الخضار والسمك، وتعرفت على خياطة وأصبحت أذهب إليها.. يسألنى ابنى: «بتتكلموا فى إيه؟»، فأرد: «أى حاجة.. أى حاجة حقيقى بس حاجة ليها علاقة بالناس.. بيومهم.. بيومى.. بحياتنا».
ليس شرطًا أن يكون ممثلًا محترفًا من يريد الحكى، الأهم أن يكون «بيحس بالحياة وعنده رغبة فى التواصل مع الناس.. الإنسانية هى الشرط الوحيد».
حينما تنشأ المودة ينشأ الحكى، نحب الناس فنحكى معهم، ونفرح معًا، ونحزن معًا.. «نعمل حالة ويبقى فى ٢ -٣ -٤ بيشاركونا.. ده شرط المسرح».