خبراء سودانيون عن قمة دول الجوار: مصر الأقدر على إنهاء الأزمة وتوحيد الفرقاء
- سجلات التاريخ والأيام تزخر بالمواقف التى ساندت فيها مصر السودان ودافعت عن مصالحه واستقراره
تستضيف مصر مؤتمر قمة دول جوار السودان، غدًا الخميس، لبحث سُبل إنهاء الصراع الحالى واحتواء التداعيات السلبية على دول الجوار فى ظل استمرار الأزمة منذ أبريل الماضى.
وثمّن عدد من الخبراء والباحثين السياسيين دور مصر تجاه السودان الشقيق، مؤكدين أن الشعب السودانى يعقد الآمال على مصر فى التوصل لحل سلمى يعيد الاستقرار وينشر الأمن فى طول البلاد وعرضها، بعد أن عمّت الفوضى وتملّك الرعب من القلوب وانتشرت الجثث فى الشوارع وساد صوت الرصاص والتفجيرات.
مجدى عبدالعزيز: استقرار السودان قضية أمن قومى أساسية لمصر
قال الخبير السياسى السودانى مجدى عبدالعزيز، إن دعوة مصر لقمة دول الجوار تنبع من منطق وواقع يقول إن ما يجرى فى السودان تتأثر به دول الجوار بصورة مباشرة، مثلما حدث فى مصر التى فتحت أبوابها للذين قدموا إليها من السودانيين المتأثرين بالحرب، كذلك امتدت آثار الأزمة إلى تشاد وجنوب السودان.
وأضاف، لـ«الدستور»، أن مصر بالنسبة للسودان ليست كأى دولة مهما كانت درجة التقارب على مستوى العلاقات الدبلوماسية أو فى الإقليم، لأن العلاقات المصرية السودانية علاقات مصيرية وليست علاقات اختيار، وأن استقرار السودان قضية أمن قومى أساسية لمصر، إضافة إلى التشابك الاجتماعى بين السودانيين والمصريين.
وتابع «عبدالعزيز» أن القمة ستركز على ملفات حيوية، وبالطبع ستكون الملفات الإنسانية ومحاولة مساعدة الشعب السودانى بصورة أو بأخرى أحد أهم الملفات المطروحة للنقاش، مشيرًا إلى أن هذه القمة ستُحدث اختراقًا كبيرًا فى مسارات الأزمة.
وأوضح أن تداعيات الأزمة فى السودان على دول الجوار متنوعة، وكانت هناك فرصة لنجاح اتفاق جدة فى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار وإعطاء الفرصة للتدخلات الإنسانية، لكن الميليشيا المتمردة تعنتت وأوغلت فى اعتداءاتها على المواطنين وارتكبت جرائم ضد الإنسانية، حيث اقتحمت بيوت المدنيين واغتصبت النساء وسرقت السيارات واحتلت المستشفيات.
وقال الباحث السودانى إن انتهاكات الميليشيا المتمردة دفعت القوات المسلحة للتصدى لها، فقد حاولت قوات الدعم السريع الاستيلاء على السلطة فى السودان، وتحول هذا التحدى حاليًا إلى تحدٍ أمنى وجنائى.
وتابع: «غيرت القوات المسلحة من تكتيكها لإخراج الميليشيا المسلحة من بيوت الناس والأحياء المدنية، وبدأت تستعين بوحدات القوات الخاصة لأن هذه الحرب هى حرب مدن، والميليشيا المتمردة تتخذ من الأحياء والمدن دروعًا بشرية».
وأضاف: «تلك التكتيكات أعادت زمام المبادرة فى يد القوات المسلحة، حيث منيت القدرات العسكرية للميليشيا المتمردة بخسائر كبيرة وأصابها الضعف، والدليل على ذلك أنها تخلت عن سياراتها العسكرية ولجأت للاستيلاء على سيارات المواطنين، كما ضعفت قواتها البشرية والمادية وانقطعت عنها الإمدادات واكتشف السودانيون حقيقتهم».
واعتبر «عبدالعزيز» أن ما جرى فى قمة «الإيجاد» بإثيوبيا وفشلها كان متوقعًا، مضيفًا أنه لا يمكن لأديس أبابا أن تكون وسيطًا محايدًا، حيث كانت تسعى لفرض شروط، كما أن السودان تحفظ على رئاسة كينيا اللجنة الرباعية للقمة؛ لارتباط القيادة الكينية بمصالح تجارية مع قيادة الدعم السريع، وسبق لها أن حصلت على تمويل من الميليشيا المتمردة لدعم الحملة الانتخابية للرئيس الكينى.
وتابع: «كينيا تساند ميليشيا الدعم السريع وهى ظهيرها السياسى، مما يجعلها طرفًا غير محايد، كما أنها تنفذ أجندات خاصة لبعض دول الإقليم».
وأكد «عبدالعزيز» أن دعم مصر التاريخى للسودان ليس بالأمر الغريب، وأن سجلات التاريخ والأيام تزخر بالمواقف التى ساندت فيها مصر السودان ودافعت عن مصالحه واستقراره، وقدمت المساعدات الكبيرة أثناء الكوارث والسيول والفيضانات وخلال جائحة فيروس كورونا، وآخرها فتحها حدودها وموانئها للسودانيين الفارين من نار الحرب.
محمد إلياس: سيناريوهات مفزعة بعد أنباء عن مشاركة عرب النيجر ومالى فى الصراع
أوضح الصحفى السودانى محمد إلياس أن القمة المصرية مهمة، خاصة بعد ما حدث بقمة «الإيجاد»، مشيرًا إلى أنها تكتسب أهمية كبرى ومن المتوقع أن تخرج بنتائج واضحة جدًا فى ظل دعم الجانب المصرى للسودان.
وأضاف أن الأزمة السودانية لها تأثير كبير وتداعيات كبيرة على دول الجوار مرشحة للتفاقم إذا استمر الوضع الراهن، وأن السيناريوهات المقبلة ستكون وخيمة جدًا، وهناك سيناريوهات مفزعة خاصة مع تورط بعض الدول التى لها اتصال قِبَلى مع القبائل المتاخمة فى غرب السودان بالتحديد، أولًا تشاد ثم بعد ذلك إفريقيا الوسطى.
وأوضح «إلياس» أن ما يجرى فى السودان ستكون له تأثيرات سلبية جدًا على دول الجوار، لأن هذه الحرب الآن تكتسب بعض الوقود البشرى عبر دول الجوار والعمق الإفريقى مثل النيجر ومالى، وهناك مجموعات من عرب هذه الدول تتدفق نحو السودان للاشتراك فى الحرب، باعتبار أن الفوضى تسمح بجنى المزيد من المكاسب الشخصية للأفراد الذين يشاركون فى هذه المرحلة من القتال.
عثمان ميرغنى: مهمة لملفات وقف إطلاق النار والنازحين والمساعدات الإنسانية
أشار عثمان ميرغنى، الإعلامى والكاتب السياسى السودانى، إلى أن قمة دول الجوار للسودان فى مصر لها أهمية كبرى، خاصة بعد ما حدث يوم الإثنين الماضى فى أديس أبابا، خلال قمة «الإيجاد»، التى أدت إلى نتائج خطيرة جدًا يمكن أن تثير كثيرًا من الهواجس للأمن القومى المصرى والسودانى على السواء.
واعتبر «ميرغنى»، خلال حديثه لـ«الدستور»، أن القمة المصيرية يجب أن تخرج بنتائج واضحة جدًا تؤثر على مسار الأزمة السودانية فى الطريق الذى يمكن أن يوصل إلى الخروج من نفق الحرب أولًا، ثم بعد ذلك الحل السياسى الذى يؤدى إلى الاستقرار الكامل.
وأضاف: «النتائج التى يجب أن تصل إليها قمة دول الجوار، باعتبارها القمة الأولى، يمكن أن تفضى لنتائج ملموسة، تسير بعد ذلك للاتجاه إلى النتائج النهائية المرجوة للاستقرار فى السودان، حتى لا تتأثر دول الجوار به سلبًا».
وتوقع أن تكون أولى تلك النتائج هى عدم حدوث تدخل، كما حدث فى قمة «الإيجاد» بأديس أبابا، بصورة قد تؤدى إلى انزلاق السودان نحو تكرار السيناريو السورى، متابعًا: «النتائج التى وصلت إليها قمة أديس أبابا ربما تكون بداية سيناريو يصل بالسودان إلى نصف الواقع الذى وصلت إليه سوريا للأسف، ولذا لا بد أن تكون هناك نتائج سريعة لوقف هذا السيناريو، والمسار الذى تقوده (الإيجاد) فى الوقت الراهن».
وأوضح الإعلامى والسياسى السودانى أن قمة القاهرة يجب أن تناقش عدة ملفات مهمة، منها وقف إطلاق النار والفصل بين القوات، بما يجعل هناك إمكانية لحماية المدنيين داخل العاصمة السودانية، ويمكنهم من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الخدمية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والوظائف، وغيرها من مظاهر الحياة العادية للمواطن السودانى.
وتابع: «الملف الثانى هو عودة اللاجئين والنازحين إلى الخرطوم والمناطق التى فروا منها فى دارفور وغيرها، وهذه النقطة مهمة جدًا لاستعادة الوضع الطبيعى، لأن الخرطوم الآن شبه فارغة من السكان، فالبعض اختار أن يتوزع فى المدن السودانية والبعض الآخر اختار أن يلجأ إلى دول الجوار، خاصة مصر وتشاد وجنوب السودان، ويجب أن تكون هناك عودة للنازحين بعد وقف إطلاق النار».
واستطرد: «الملف الثالث هو المساعدات الإنسانية، خاصة الدواء، لأن هناك نقصًا كبيرًا جدًا فى الأدوية المنقذة للحياة، وتوفير الأدوية يمكن أن يعيد الحياة إلى وضعها الطبيعى، وبعد ذلك يأتى الملف السياسى، خاصة أن مصر هى الأقرب للمكون السياسى فى السودان، وهى التى تستطيع أن تتعاون مع الجميع فى هذا الملف، لأن دول الجوار الأخرى إما ليس لديها أى اتصال مع المكون السياسى أو لديها اتصال، مثل جنوب السودان، لكن دورها يختلف عن الدور المصرى».
وأضاف «ميرغنى»: «السودان مهم جدًا للأمن القومى المصرى، وهناك تداخل كبير بين البلدين وارتباط مصالح ومخاطر بصورة تتطلب التركيز الكبير لضمان مستقبل سودانى مستقل، ويجب أن تكون هناك آلية للتعاون بين دول الجوار فى حل المشكلة السياسية السودانية، ويمكن أن تكون مصر رئيسًا لهذه الآلية أو الإدارة، بمعنى أن تتولى رئاسة الأزمة وتتعامل معها بناء على توافق دول الجوار».
وأكد أن مصر وجنوب السودان هما الدولتان الأكثر ارتباطًا بالشأن السودانى، ما يسمح بمزيد من التعاون بينهما فى هذا الملف، وهناك أيضًا تقارب فى المواقف مع تشاد، ما يسمح بآليات تعاون تعوض «الإيجاد» والمسارات الأخرى للقوى الإقليمية الهادفة إلى إعادة الحكومة التى كانت قبل ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، وهى خطوة ستلاقى معارضة شعبية كبيرة جدًا، وستزيد من المتاعب السياسية وتفضى إلى عدم الاستقرار، ما يُدخل السودان مرة أخرى فى دائرة جديدة من النزاعات.
ولفت إلى أن الأزمة تواجه سيناريوهات متنوعة تحتاج إلى تعاون وعمل كبير من جانب دول الجوار، خاصة مصر، للتأثير على مسار الأزمة، وذلك فى ظل تصاعد نشاط قوى دولية وإقليمية أخرى، للدفع نحو ترتيبات وسيناريوهات غير معلومة، ما يتطلب تفاعلًا سريعًا مع الأزمة.
واختتم حديثه بالقول: «مصر قوة إقليمية ذات ثقل وقدرة على التأثير فى الأوضاع فى السودان، ويمكنها أن تساعد بأسرع ما يمكن على الوصول إلى تكليف حكومة سودانية تعالج الأخطاء، خاصة أن هناك إشارات قوية اليوم تؤكد أن بعض الدول لديها العزم لإعادة حكومة عبدالله حمدوك السابقة، رغم أنها حكومة فشلت، ما يستدعى تكليف حكومة وسط، تضم شخصيات موثوقًا بها لدى الشعب السودانى، ما يساعد على سد الفراغ السياسى الموجود حاليًا فى السودان».
رامى زهدى: الصراع يؤثر سلبًا على أكثر من 17 دولة جوار مباشر وغير مباشر
الباحث فى الشأن الإفريقى رامى زهدى أكد أن اجتماع دول الجوار فى مصر أصبح ليس فقط محاولة من هذه الدول لإحلال الأمن والسلام فى المنطقة والقارة وحل المشكلة السودانية، بل إن الأمر أكبر من ذلك، لأن هناك تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار هذه الدول مع تصاعد الأزمة السودانية وطول أمدها، والتداعيات الجسيمة على الأمن والاقتصاد فى دول الجوار.
وأضاف: «دول الجوار المباشر للسودان هى ٧ دول، ولكن هناك مصطلحًا آخر يستخدم، هو دول جوار الجوار أو دول جوار الأزمة، وهى ١٠ دول بخلاف السبع الأساسية، وبالتالى هناك أكثر من ١٧ دولة تتأثر بالأحداث فى السودان».