بحيرة البجع.. مبدعو العرض العالمى على مسرح الأوبرا: لافتة «كامل العدد» إشارة إلى عشق الجمهور الباليه
حقق عرض الأوبرا العالمى الشهير «بحيرة البجع» نجاحًا ساحقًا لفرقة باليه أوبرا القاهرة، تحت إشراف مديرها الفنى أرمينيا كامل، وإخراج الدكتور الراحل عبدالمنعم كامل، بمصاحبة أوركسـترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو العالمى ناير ناجى.
وقُدم العرض لمدة ٤ أيام متتالية على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتور خالد داغر، كان آخرها مساء الجمعة، رافعًا لافتة «كامل العدد». ولا يزال «بحيرة البجع» يمتلك القدرة الفائقة على حشد الجمهور داخل المؤسسات والقاعات الأوبرالية فى مختلف أنحاء العالم، على الرغم من مرور ١٤٦ عامًا على إطلاق أول عروضه، التى أبدعها الموسيقار الروسى بيوتر إليتش تشايكوفسكى، عام ١٨٨٧ على مسرح البولشوى بموسكو.
«الدستور» التقت عددًا من مسئولى العرض، للكشف عن تفاصيل الاستعدادات له وكيفية تحقيق عوامل الاستمتاع البصرى مع تصوير المشاعر الإنسانية عبر الموسيقى الفريدة، وكيفية اختيار الإيقاعات والتلوين الهارمونى والأوركسترالى للعمل.
أرمينيا كامل: طورت الرقصات على مدار 10 سنوات والنجاح يحفزنى لرعاية المزيد من الموهوبين
كشفت الفنانة العالمية الإيطالية أرمينيا كامل، المدير الفنى لفرقة باليه أوبرا القاهرة، التى تعد أول سيدة تقدم عرض باليه بشكل كامل، عن أنها جاءت إلى القاهرة من إيطاليا منذ ٣٨ عامًا، وتعرفت على المخرج القدير الراحل عبدالمنعم كامل، والتحقت بفرقة باليه القاهرة بأكاديمية الفنون.
وأضافت أنها تزوجت من «كامل» وأنجبت منه ولدًا واحدًا، مثنية على دور الراحل فى حياتها، مؤكدة أن سر نجاحها الرئيسى فى حياتها العملية هو دعم زوجها الدائم وتشجيعه المستمر لها.
وقالت: «عبدالمنعم كان صديقى وحبيبى وزوجى وأهلى فى مصر ومثلى الأعلى، فقد تعلمت منه الكثير وكان هو مؤسس فرقة باليه القاهرة، وأسس مجموعة موسيقية كلاسيكية كاملة».
وتابعت: عبدالمنعم بدأ بعرض «دون كيشوت»، وبعد عام واحد تبعه بعرض «بحيرة البجع» وتحديدًا عام ١٩٩٢، واستخدم الكوريغرافيا الأصلية «التصميم الأصلى» للفصل الثانى، وأنشأ نسخته الخاصة من الأعمال الأخرى. مضيفة: «حقيقى لقد كان تحديًا كبيرًا لأن (بحيرة البجع) هو واحد من أكثر الباليهات المطلوبة فى المجموعة الكلاسيكية، وقد كافأه الجمهور بحماسة وحفاوة».
وعن أبرز التحديات التى واجهتها عندما أصبحت المدير الفنى لفرقة أوبرا القاهرة، وتدريبها الراقصين وتقديم عروض عالمية على أكبر المسارح خاصة «بحيرة البجع»، قالت: «دائمًا أتذكر شرح عبدالمنعم كامل خلال التدريبات حول كيفية التعامل مع الشخصيات المختلفة فى الباليه، ورعايته كل تفاصيل تصميم الرقصات».
وتابعت: «فى بحيرة البجع بالتحديد، الذى يعد من أرقى الكلاسيكيات وأصعبها فى نفس الوقت، خاصة أنه يتكون من ٤ فصول، وبه العديد من المشاعر، واجهت صعوبات كثيرة خاصة بعد وفاة (كامل)، حينما أخذت على عاتقى مسئولية التنظيم خلال مواسم الباليه التالية».
وواصلت: «خلال السنوات العشر الماضية، دربت العديد من الراقصين فى الأدوار القيادية، وعازفين منفردين وكورب دى باليه (الفرق الراقصة)، وخلال كل بروفة كنت أطور تفاصيل جديدة وأكتشف عمق هذا التصميم الرقصى الجميل».
وأشادت بالتعاون المثمر مع المايسترو ناير ناجى، قائد أوركسترا أوبرا القاهرة، لافتة إلى أنه يبذل مجهودًا جبارًا لخروج العرض على أكمل وجه، مضيفة: رغم تمكنه الشديد وعلاقته الموصولة مع الأوركسترا، فإنه يهتم بكل تفصيلة وبإجراء بروفات عديدة، فهو المدير الموسيقى التاريخى لـ«بحيرة البجع». وقالت: «بفضل معرفته العميقة، يرافق الراقصين وفقًا لإيقاعهم واحتياجاتهم على المسرح.. وبفضل مشواره الطويل يعرف الوتيرة المناسبة لكل راقص، ونحن ممتنون لمستوى تعاونه العالى، وأتمنى دوام التوفيق والنجاح لنا دومًا، فلا أحد يستطيع تقديم الجهد المبذول والعمق الموسيقى مثله فى هذا العرض العريق».
وأعربت عن سعادتها البالغة برفع الليالى الأربع لافتة «كامل العدد»، معتبرة أنها «إشارة واضحة على رغبة الجمهور فى الباليه الكلاسيكى، وهو ما يجعلنى دائمًا متحفزة لتقديم المزيد والمزيد، لإفراز أجيال جديدة من الموهوبين فى فن الباليه».
واختتمت بقولها: «دار الأوبرا هى الدار الوحيدة المحترفة التى يمكنها تقديم الباليه الكلاسيكى النقى فى مصر، وأعتقد أن الباليه الكلاسيكى يستحق المزيد من الاهتمام، فهو من أرقى الفنون التى تهذب المشاعر و(بحيرة البجع) الأقرب إلى قلبى».
ناير ناجى: فخور باهتمام الجمهور والإعلام بالأعمال الكلاسيكية
أعرب المايسترو العالمى ناير ناجى عن فخره واعتزازه بمواصلة نجاح عرض باليه «بحيرة البجع» بدار الأوبرا المصرية، ولهفة الجمهور لحجز التذاكر وملء مقاعد المسرح الكبير بأكمله على مدار ٤ أيام متتالية.
وقال: «دار الأوبرا المصرية دائمة التطور وتهتم بالأعمال العالمية التى ينتظرها الجمهور، وهذا شىء أساسى للحفاظ على الموروث الكلاسيكى والفنى، ولا بد أن نعترف بأن الأعوام الأخيرة شهدت اهتمامًا ملموسًا من قِبل وسائل الإعلام لنقل كل الفعاليات، ودائمًا ما تمثل الأوبرا مصر فى الداخل والخارج، بكل ما تقدمه من عروض أوبرالية وأوركسترالية بكل دول العالم، وهذا هو دورنا».
وأضاف: «دائمًا لدىّ ذكريات لا تُنسى مع عرض باليه (بحيرة البجع)، على رأسها ما حدث فى مارس عام ٢٠١١، عندما خرج الإخوان بأفكارهم المريضة عقب ثورة يناير وحرّموا فن الباليه، وكانت هذه فترات عصيبة علينا جميعًا، وعلى أعضاء الفرق بالأوبرا تحديدًا، لكننا والحمد لله، نجحنا معًا، كفنانين وجمهور، فى تجاوز تلك الصعوبات، كما أتذكر أننا بعد الثورة عليهم بـ٢٠ يومًا فقط قدمنا عرضًا ناجحًا ومميزًا جدًا لباليه (بحيرة البجع)، وكان أيضًا كامل العدد».
واستطرد: «رغم أن دراستى ومشوارى وطفولتى كلها ارتبطت بالأعمال الموسيقية الكلاسيكية بشكل عام، فإننى أشعر بالفخر الكبير عندما أقود الأوركسترا لتلك الأعمال الكلاسيكية الاحترافية، ومنها بالطبع عرض (بحيرة البجع) للمؤلف الموسيقى الروسى العبقرى تشايكوفسكى».
وأكد أن قيمة عرض «بحيرة البجع» تكمن بداخله على عكس الموسيقى التجارية، لكونها تتمثل فى قدر العمق والصنعة والعلم الموجود فى كتابتها، الأمر الذى يثير التساؤل الدائم: هل صنعت هذه الموسيقى من أجل عرض الباليه المكتوب أم صنعت رقصات الباليه للموسيقى؟ وذلك من كثرة المزج والتداخل بينهما، وما يمثله ذلك من تحديات تواجه قائد الأوركسترا ليكون حكيمًا فى التعامل مع تلك الموسيقى المقدمة بمصاحبة عمل درامى، ويعمل على خدمة الراقصين وظهورهم بأحسن مستوى فنى وإبداعى.
وأشاد «ناجى» بالتعاون مع الفنانة العالمية أرمينيا كامل، ودورها الريادى بفرقة باليه أوبرا القاهرة، والعروض التى تقدمها على مدار العام، مؤكدًا أنه دائمًا ما رآها مثالًا للجهد والدأب وتكريس الوقت للعمل والابتكار، وذلك منذ تعرف عليها منذ ما يزيد على ٣١ عامًا.
وشدد المايسترو العالمى على أهمية تقديم الفنون الرفيعة والعروض الراقية طوال الوقت، خاصة فى الظروف العصيبة، مستنكرًا اعتقاد البعض بأن الفن مجرد ترفيه لا يصلح تقديمه إلا فى أوقات الرخاء.
واستطرد: «إذا عدنا إلى التاريخ، سنجد أن كل الأعمال العظيمة تمت كتابتها فى أحلك الظروف فى أوروبا وقت الحرب العالمية الثانية، كما أن فن الباليه يعود أساسًا إلى مصر القديمة، حيث أظهرت النقوش أن قدماء المصريين كانوا يمارسون فنًا راقصًا قريبًا جدًا من الباليه، وتتناغم فيه الحركة والأداء مع الإيقاع الموسيقى المصاحب، لذا يجب علينا دائمًا التطوير والتجديد دون انحراف عن هويتنا وثقافتنا».