د. أحمد زايد: الانتهاء من «رقمنة» إصدارات مكتبة الإسكندرية خلال 2023 (حوار)
- مصر لديها قدرة تنافسية ثقافية لا توجد فى أى دولة عربية.. وبعض الدول تلجأ إلى المكتبة لإجراء عملية ترميم لمخطوطاتها النادرة
- نمتلك تراثًا سينمائيًا هو الأول فى المنطقة العربية والعالم.. وموقع المكتبة يضم أكثر من 1000 فيلم قصير
- إدارة العمل الثقافى ليست دور الدولة وحدها بل المجتمع أيضًا.. ويجب أن يشارك القطاع الخاص فى الصناعات الثقافية
- علينا التكاتف لإعادة الجيل المخطوف من «السوشيال ميديا» إلى دائرة الأسرة والمدرسة والعلم
منذ اختياره مديرًا لمكتبة الإسكندرية خلفًا للدكتور مصطفى الفقى؛ ويحمل الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، على عاتقه الكثير من الملفات المهمة. ومن أهم الملفات التى يعمل عليها «زايد» تعميق أدوار مكتبة الإسكندرية داخليًا وإقليميًا ودوليًا ومواصلة مشروعها فى رقمنة الإصدارات، وتطوير ملف الثقافة والهوية الوطنية، خاصة بعد توليه مقرر اللجنة المعنية بهذا الأمر فى الحوار الوطنى. وفى إطار اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذه الملفات المهمة، تم عقد اجتماع مع مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، أمس الأول، بحضور مديرها أحمد زايد، لعرض الرؤية المستقبلية للمكتبة وكيفية تطوير الجوانب التكنولوجية فيها.
والتقت «الدستور» أحمد زايد لعرض كامل رؤيته لتطوير المكتبة والنهوض بالحالة الثقافية فى مصر، فى حوار نقرأ تفاصيله فى السطور التالية:
■ بداية.. ما مستهدفات لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطنى؟
- المستهدف من عمل اللجنة هو تأكيد أن الثقافة لا يمكن إنكارها وتجاهلها؛ خاصة أن الحياة مكونان، أولهما مكون مادى، وآخر ثقافى، وأن الثقافة هى جزء أساسى من تكوين العمران البشرى، ونحن فى حاجة إلى تنشيط المؤسسات الثقافية القائمة، خاصة أن مصر تمتلك العديد من المؤسسات الثقافية، مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأكاديمية الفنون، ومراكز الطفولة، ومكتبة الإسكندرية، ودور العرض السينمائية، والمسارح، وهو أمر غير مسبوق، لأنها مؤسسات غير موجودة فى الوطن العربى كله.
وهذه المؤسسات تحتاج إلى إعادة تنشيط فقط، خاصة وهى ليست خاملة، لكن ربما فى ظل الظروف الحالية مع التغير التكنولوجى المتسارع وإيقاع الحياة السريع، وعزوف الشباب عن القراءة، باتت فى حاجة إلى النظر نحو بعض الجوانب الثقافية بآلية متجددة تتناسب مع متغيرات العصر، فى ظل الجمهورية الجديدة التى تحتاج متطلبات ثقافية مختلفة، وأبرزها رفع الوعى بين الناس، والنظر إلى العلاقة بين المجتمع ووسائل الإعلام، وكيف يسهم الإعلام فى نشر الثقافة.
وقد نعيب على وسائل الإعلام تقديم مواد استهلاكية أكثر منها ثقافية، وعلى الإعلام تناول قضية التدين والتدين الخشن والمتطرف والمغالاة فى كل شىء، ومناقشة كيف يمكن تطوير الخطاب الدينى فى الظرف الذى نعيشه؛ كل ذلك يجب أن ننتبه إليه بشكل كبير.
■ ماذا تُعد لجنة الثقافة والهوية الوطنية لـ«الجيل z»؟
- فى رأيى هذا الأمر لا يقتصر على لجنة الثقافة والوطنية فقط، بل نحن فى حاجة إلى أن يكون توجهنا جميعًا نحو هذا الجيل الجديد، وأن نلتفت إليه، وأن يتم تأطيره ثقافيًا بشكل أكبر، نظرًا لكونه الأكثر تأثرًا بمواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك نحن فى حاجة إلى تبنيه داخل المؤسسات الثقافية والتعليمية، بحيث يتم تأطيره ثقافيًا وفكريًا ومعرفيًا أكثر من تأطيره بشكل استهلاكى وغريزى، وهو ما يمثل تحديًا الآن.
وفى اللجنة المشرفة على مكتبة الأسرة، تقدمنا باقتراح بوضع الكتب على منصة الهيئة المصرية العامة للكتاب، بحيث تتم إتاحتها مجانًا لهذا الجيل، لتدعيم ثقافة القراءة، بحيث يتعرض المتصفح لكل ما نشر فى هيئة الكتاب، وكذلك ما ينشر فى دور النشر الخاصة بعد بحث أمور الملكية الفكرية لها.
وأرى أن المسألة تحتاج إلى تكاتف الجهود من الجميع، خاصة أننى أرى أنه جيل مخطوف لدى مواقع التواصل الاجتماعى؛ ونحن فى حاجة إلى إعادته إلى دائرة الأسرة والبيت والمدرسة والعلم مرة ثانية حتى يصبح جيلًا فاعلًا.
■ قلت إن مكتبة الإسكندرية فى اتجاهها إلى رقمنة ٥٠٠ ألف كتاب وإطلاق مشروع جديد لرقمنة الكتب صوتيًا.. ماذا عن ذلك المشروع؟
- بدأنا مشروعًا متعلقًا برقمنة الكتب فى مكتبة الإسكندرية، وأعتبره ما زال فى بدايته، ولدينا مكان فى المكتبة لرقمنة الكتب يشبه ما يوجد فى المكتبات العالمية، العاملون فيه يستطيع الواحد منهم رقمنة ٣ آلاف صفحة يوميًا، وتخضع عملية الرقمنة للجودة والمراجعة.
ونحن بصدد رقمنة كل ما لدى المكتبة من كتب خلال العام الجارى، فى الوقت نفسه ستتم رقمنة الصحف والصور والمجلات والوثائق بشكل يومى.
ودعنى أشِر إلى أن هناك أشكالًا من التعاون والاتفاقيات بين المكتبة والدول العربية..على سبيل المثال اتصل بى مؤخرًا السفير المغربى بالقاهرة، لطلب الاستعانة بالمكتبة لرقمنة أرشيف إحدى المؤسسات التى تملك أرشيف حركة الاستقلال المغربى، وطلبت منه مخاطبة المكتبة رسميًا، والمكتبة على أتم الاستعداد للتعاون والقيام بذلك.
■ ما الخدمات التى تقدمها المكتبة للفئات الخاصة.. وكيف تتعامل مع الكتب المهداة إليها؟
- الحديث عن المكتبات الخاصة له شقان، الأول يجب أن تكون لدينا مكتبة للمكفوفين وللأطفال وللمسنين، وهو ما يتوافر بمكتبة الإسكندرية، وأرى أننا فى حاجة إلى تطويرها وتدعيمها بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، أما الشق الثانى فهو الخاص بالمكتبات المهداة من الشخصيات العامة والاعتبارية، ويجب أن نعيد تقييمها بشكل مغاير، وهذا ما يحدث عند إهداء إحدى الشخصيات الاعتبارية مكتبته ومقتنياته.
ونحن ننشئ جناحًا خاصًا بالشخصيات التى تتمتع بالثقل الدولى؛ وما أريد أن أقوله إنه من الممكن عند إهداء شخصية ما مكتبته إلى مكتبة الإسكندرية، قد نجد بعض الكتب المتكررة، وهو ما يتطلب مراجعتها.
مثلًا لدى مكتبة الإسكندرية نحو ١٤٠ ألف كتاب تم إهداؤها إلى المكتبة، وفى حال عدم مراجعة المكتبات المهداة خلال الفترة المقبلة، ستكتظ المكتبة بالكتب المكررة؛ خاصة فى وقت نشهد فيه عملية رقمنة، وهو ما يحتاج إلى إعادة تنظيم ووجهة نظر مغايرة فيما يتعلق بالمكتبات المهداة.
■ حدثنا عن توجهات المكتبة فيما يخص قضية المناخ والحديث الدائر حول ما قد تتعرض له الإسكندرية من تأثرات مناخية عنيفة.
- اهتمام مكتبة الإسكندرية بقضية التغير المناخى قديم وليس حديثًا، خاصة أن الإسكندرية نموذج لقياس ما يحدث من تأثير للتغير المناخى؛ حيث تنذرنا دائمًا بما يحدث من تغير مناخى.
ولدينا ورشة عمل أو مؤتمر مصغر، بعنوان «تغير المناخ بمنطقة البحر المتوسط»، فى مكتبة الإسكندرية؛ بالتعاون مع المكتب الثقافى الإيطالى، والأكاديمية البحرية للنقل البحرى؛ من أجل رصد ما يحدث من تغير مناخى فى منطقة البحر المتوسط، خاصة أن البحر المتوسط أصبح محل صراع سياسى، فى ظل امتلاء المنطقة بالثروات البترولية والغاز وغيرهما، وفى هذا المؤتمر يشارك عدد من الخبراء الأجانب للتحدث عن التغيرات المناخية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط.
والمكتبة شاركت فى أكثر من حدث عن المناخ ومشكلات الطاقة والبيئة فى المجمل.
■ بالنظر إلى السياسات الثقافية والتنمية.. هل نحن مستعدون لمستقبل الاقتصاد الإبداعى؟
- مصر لديها قدرة تنافسية لا توجد فى أى دولة عربية؛ منها أننا نمتلك تراثًا سينمائيًا هو الأول فى المنطقة العربية والعالم، وكذلك لدينا خبرة كبيرة فى العمل السينمائى، وكذلك فى العمل المسرحى، حيث أسهمت مصر فى تأسيس المسارح فى العديد من الدول العربية من قبل، ونحن نفخر كذلك بما لدينا من دراما، ولدينا قدرات ثقافية جديدة توجد فى مكتبة الإسكندرية مثل أرشفة التراث وتخزينه، وأعتبرها من الصناعات الثقافية.
وبعض الدول يلجأ إلينا فى عملية ترميم المخطوطات وحفظها، ولدينا قدرة على إنتاج أفلام قصيرة، وعلى موقع المكتبة أكثر من ألف فيلم قصير، وأعتبرها منتجات ثقافية قد تحقق دخولًا ويمكن استثمارها بشكل كبير، ودور المكتبة كبيت خبرة فى ملف الرقمنة كبير، ونقابة الصحفيين تواصلت معنا مؤخرًا لرقمنة مكتبة النقابة خلال الفترة المقبلة.
فالصناعات الثقافية والرقمية أصبحت فى غاية الأهمية، ولها دور فى توليد الدخل فى الكثير من الدول، ونحن فى أمس الحاجة إلى السير فى هذا الاتجاه.
وأرفض فكرة أن قدرتنا فى الصناعات الثقافية والإبداعية تتراجع، ولك أن تنظر إلى عدد الأفلام السينمائية المنتجة سنويًا، والمشكلة فقط فى هذا الأمر، أن هذا الإنتاج يجب أن يتحول إلى إنتاج راق ومتطور، ويكون قادرًا على المنافسة فى السوق العالمية، وألا يكون منتجًا سينمائيًا استهلاكيًا يُقدم فقط للشباب الصغير، ونفس الوضع فى المسرح وجميع الصناعات الثقافية، يجب أن تكون بمعيار الكيف وليس الكم.
■ لدينا القدرات.. لكن هل نطبق التقنيات الصحيحة للوصول إلى المستوى المطلوب فى ملف الاقتصاد الإبداعى؟
- هناك جهود مبذولة فى هذا الاتجاه، وتبذل وزارة الاتصالات جهودًا كبيرة فى هذا الاتجاه.
وعندما نتحدث عن الاقتصاد الإبداعى فإننا نتحدث عن مجتمع المعرفة؛ وهو ما يعنى الإبداع والابتكار، وأهم مكون فيه هو القياس، وفقًا للعديد من المؤشرات، أهمها مؤشر استخدام التقنيات وتوظيفها فى الإبداعات والمجالات المختلفة، ثم توظيف القدرة على الإبداع والبحث العلمى ونقل الأفكار إلى الآخرين والترجمة، وجميعها متصل بمجتمع المعرفة، وعند الحديث عن الاقتصاد الإبداعى يجب أن نتحدث عن الاقتصاد المنتج للمعرفة، وكيف تحقق الثقافة استثمارًا وعائدًا للدخل القومى، وتجعل الدولة متقدمة فى مؤشرات التنافسية والمعرفة ومجتمع المعرفة؛ الذى أصبح ضرورة بالنسبة للدولة.
وهناك عدد من الدول حقق طفرة كبيرة فى هذا الاتجاه، مثل الهند وماليزيا، وأرى أن مصر ليست متأخرة فى هذا الصدد؛ فبالنظر إلى معدلات البحث العلمى فى مصر، أرى أنها تتزايد، ونحن فى حاجة إلى مزيد من إنفاق القطاع الخاص فى هذا الأمر، ليس بهدف الربح فى المقام الأول، بل نشر المعرفة.
■ بصفتك أستاذًا لعلم الاجتماع السياسى.. هل يمكن أن تضع لنا سيناريوهات مستقبلية حول الثقافة والهوية الوطنية فى العقد المقبل؟
- دستورنا والتشريعات المصرية كافية جدًا لتحقيق استقلال الثقافة، وتشجيع الثقافة وتداولها، ولكن نحن فى حاجة إلى تفاعل المجتمع فى العمل الثقافى وليس الدولة فقط، لأن الثقافة يصنعها البشر؛ وتنمية دور القطاع الخاص الذى يجب أن يدخل بشكل قوى فى الصناعات الثقافية وبالشكل الجاد وليس الشكل السوقى، وأن ينفق الأموال على ذلك.
وبالنظر إلى المسئولية المجتمعية للشركات الخاصة، نجد أنها غير مفعلة فى مصر إلا فى النذر القليل، حتى الشركات والمؤسسات التى تخصص جوائز، نرى أن قيمتها المالية أقل من جوائز الدولة.
وأرى أن هناك مؤسسات ثقافية فى دول الخليج، تقدم جوائز ثقافية أكبر وأعمق، مما يحدث هنا، وأتمنى أن يدخل رجال الأعمال فى صناعة السينما والدراما الوطنية التى تعبر عن مصر الحقيقية، وبأعمال حقيقية، على أن يتم إنتاج الروايات الأدبية، مثل أعمال نجيب محفوظ على سبيل المثال، وأن يدخل ذلك القطاع فى صناعة النشر والكتاب.
وأرى أننا يجب علينا تشجيع القراءة؛ ومن بين ما طرحته فى مكتبة الإسكندرية، إطلاق مسابقة قومية للقراءة، ولا مانع من مساهمة القطاع الخاص فيها.
فنحن بحاجة إلى تزويد الشباب بنوعية من الكتب الخاصة، وطباعة الكتب الصغيرة التى تضم تلخيصًا لتراث الفكر العالمى، حتى يتمكن الشباب من قراءة أعمال الكتاب الكبار، مثل «شكسبير والفارابى وأفلاطون وأرسطو وابن خلدون وألبير كاميه وتشيكوف»؛ على أن تباع بسعر التكلفة، وهو ما تتبناه مكتبة الإسكندرية، ونطلق عليها «سلسلة التراث الإنسانى للنشء والشباب»، وبدأت المكتبة بإصدار ٣ كتب، واحد عن مكتبة الإسكندرية، وكتاب عن مصر القديمة، وثالث عن الفلاسفة الذين عاشوا فى الإسكندرية، وسنصدر كتبًا فى الفلسفة الإغريقية القديمة، والفلسفة الحديثة، والفلسفة الإسلامية، والزائر للمكتبة يستطيع شراء ٣ كتب بـ١٠ جنيهات، وهو أقل من سعر علبة سجائر.
■ اجتماع الرئيس ومجلس أمناء مكتبة الإسكندرية
- أكد الرئيس، خلال الاجتماع، الدعم الكامل للمجلس؛ من أجل تطوير مكتبة الإسكندرية حتى تواكب العصر الحالى.. أما أعضاء المجلس فقد عرضوا رؤيتهم المستقبلية لتطوير أسس وأساليب العمل وقيامها بدعم البرامج البحثية الجديدة، وأنماط التعليم المبتكرة، باعتبارها مؤسسة عالمية تخدم جميع الشباب عبر برامج موضوعة.. وللحق فإن الرئيس يقدم دعمًا غير محدود للمكتبة، إيمانًا بدورها فى إنتاج المعرفة وترسيخ قيم العلم والثقافة، ليس فقط على المستوى المحلى، وإنما العربى والإفريقى والمتوسطى والدولى.
■ أخيرًا.. ما أحدث مؤلفاتك؟
- كتاب جديد عن الأخلاق، ويناقش كل القضايا الاجتماعية المتصلة بالأخلاق، من الناحية الفلسفية، مثل كيف تناول الفلاسفة وعلماء الاجتماع موضوع الأخلاق، كيف نفهم الأخلاق فى مجتمعاتنا، وما هى القضايا المهمة فى مسألة الأخلاق، والقيم الأساسية سواء قيم الحداثة أو ما بعد الحداثة، وكيف تتشكل منظومات القيم فى هذا العالم الذى يشهد تغيرًا وسيولة كبيرة؟