4 أمور لتجديد الإيمان والتحصين من العودة للرذائل والآثام.. يغفل عنها الكثيرون
كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء عن 4 أمور ما بعد رمضان تحصنك من الرذائل والآثام، وبداية عام جديد حتى رمضان المقبل.
4 أمور ما بعد رمضان تحصنك من الرذائل
وقال علي جمعة: يستطيع المسلم أن يبدأ كل يوم عاماً جديداً، وبعد العيد يمكن أن نبدأ عاماً جديداً ينتهي في رمضان من العام المقبل، ولقد رأينا الشرع وهو يدعو دائما إلى التجديد فيقول رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ»، قِيل: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَال: «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» (مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم)، فالرغبة في التجديد نجدها دائماً في ثنايا الأوامر الإلهية في مثل قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].
وتابع: والشرع يقول لنا دائماً هيا نبدأ من جديد، وهو أمر يتناسب مع الضعف البشري، وفي الحديث: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (الترمذي وابن ماجه)، فكثرة التوبة تتناسب مع كثرة الخطأ، وخُلِق الإنسان ضعيفاً. ويساعد على فكرة التجديد هذه المحطات التي يغفر الله لنا ما بينها، ففي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَقُول: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» (صحيح مسلم)
وأشار عضو كبار العلماء إلى أنه بخصوص ما بعد رمضان فقد تعلمنا منه أن الهدف الأساسي من الصيام هو محاولة الوصول إلى التقوى، والتقوى تشتمل على الوقاية بأصل اللغة؛ فهي تقي الإنسان الانحراف، فهي تحاول أن تفتح باب التوبة للمرتشي العاصي وللسارق وللمغتصب وللظالم حتى يقلعوا عن معاصيهم ويندرجوا في مفهوم المواطن الصالح، ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصيام بأنه جُنّة أي حصن ووقاية للإنسان من الزلل والشهوات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
صيام الأيام البيض| سبب تسمية أوائل شوال بها.. كيف تعادل أجر صيام الدهر؟.. وهل تقضي المرأة ما فاتها من رمضان أم تبدأ بها؟ كيف يكون صيام الست من شوال كالدهر كله؟.. علي جمعة يوضح
وتابع: يؤخذ من صيام من قبلنا وأنواعه التي تحول بعضُها في شريعتنا إلى مرتبة النافلة وبقي بعضُها في مرتبة الفريضة وأُلغي بعضُها رحمةً وتخفيفاً من ربنا ما نستطيع أن نجعله برنامجاً عملياًّ لنا بعد رمضان، وهو ما ارشد إليه أهل الله من المسلمين في طريق سلوكهم إلى رب العالمين، ويتمثل ذلك في أربعة عناصر وهي: قلة الطعام، وقلة الكلام، وقلة المنام، وقلة الأنام.
أما قلة الطعام: فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «حسبُ ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلْبَه» (الترمذي والنسائي وابن ماجه)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يومي الاثنين والخميس، وكان يصوم ثلاثة أيام من وسط الشهر؛ الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وكان يصوم يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم، وكان يصوم الست من الشوال، ويصوم الأيام التسع الأوائل من ذي الحجة، وفي بعض الأحيان كان يصوم السبت والأحد، وفي بعض الأحيان كان يصوم شهر المحرم كله أو شهر شعبان كله كما ورد في الحديث، ومن جمع بين هذه الصوائم كلها وجد وكأنه يصوم نصف السنة خلا رمضان، وكان يقول: «أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللهِ هُوَ صِيَامُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» (البخاري ومسلم).
وقلة الكلام، فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن كثرة الكلام فنهانا عن اللغو، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]، وفي حديث معاذ وهو يسأل للنبي صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ!» (رواه الترمذي)، وكان يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا فِي الدُّنْيَا، وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ، فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلَقَّى الْحِكْمَةَ» (رواه ابن ماجه)، ومدح الله سبحانه وتعالى هذا الصنف من الناس، فقال: ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269]، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ يَضْمَن لِي ما بين رجليه وما بين لَحْيَيه (أي فكَّيْه) أَضْمَن له الجنة» (البخاري والترمذي). ولو أن الناس وضعوا هذا في برنامجهم اليومي لتغير وجه الاجتماع البشري من الصدام إلى الوفاق ومن القسوة إلى الرحمة ومن العنف إلى الود.
أما قلة المنام: فهي علامة على كثرة العمل، ونراها في الإرشادات الإلهية، حيث يقول لنبيه: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً # نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً # أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 2- 4]، وفي مثل قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]، وفي مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً!» (البخاري ومسلم)، وتدريب الجسد على قلة المنام أمر يحتاج إلى أناة وصبر ومعالجة بالحكمة حتى لا يصاب الإنسان بأي ضرر؛ فإن الْمُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
أما قلة الأنام: فنُظِّمَتْ في الدين بالاعتكاف، قال تعالى مخاطباً إبراهيم وإسماعيل: ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، ثم أيد الإسلام ذلك فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وجاءه الوحي وهو معتكف في غار حراء حيث كان يتعبد الليالي ذواتِ العدد بعيداً عن الناس، وهذا يتيح للإنسان فرصة لمراجعة النفس والتأمل في كيفية الخروج من العيوب وأخذ قرارات لتعديل السلوك وتغييره، وتعديل السلوك أصبح قسماً مستقلاًّ من علم النفس في السنين الأخيرة.