خواطر الإمام الشعراوي.. التكليف بالوسع
فى خواطره حول الآية 286 من سورة البقرة : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ».
يقول الشيخ الشعراوي: «لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا» إنّه سبحانه لم يكلفكم إلا ما هو فى الوسع، لماذا؟ لأن الأحداث بالنسبة لعزم النفس البشرية ثلاثة أقسام: القسم الأول: هو ما لا قدرة لنا عليه، وهذا بعيد عن التكليف، القسم الثاني: لنا قدرة عليه لكن بمشقة أى يجهد طاقتنا قليلا.
القسم الثالث: التكليف بالوسع، إذن «لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا» أى أن الحق لا يكلف النفس إلا بتكليف تكون فيه طاقتها أوسع من التكليف، كلف الحق كل مسلم بالصلاة خمسة فروض كل يوم، وتملأ أوقاتها بالصلاة وكان من الممكن أن تكون عشرة، بدليل أن هناك أناساً تتطوع وهو سبحانه كلف كل مسلم بالصوم شهراً، ألا يوجد من يصوم ثلاثة أشهر؟ ومثل هذا فى الزكاة؛ فهناك من كان يخرج عن ماله كله لله، ولا يقتصر على ما يجب عليه من زكاة، إذن فهذا فى الوسع، ومن الممكن أن تزيد، إذن فالأشياء ثلاثة: شيء لا يدخل فى القدرة فلا تكليف به، شيء يدخل فى القدرة بشيء من التعب، وشيء فى الوسع، والحق حين كلف، كلف ما فى الوسع، ومادام كلف ما فى الوسع فإن تطوعت أنت بأمر زائد فهذا موضوع آخر «فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ» ما دمت تتطوع من جنس ما فرض، إذن فالتكليف فى الوسع وإلا لو لم يكن فى الوسع لما تطوعت بالزيادة، فسبحانه يقول: «لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا» ويأتى بعد ذلك ليعلمنا فيقول: «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ»، وهو القائل: «لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا» إذن سبحانه يكلفنا بما نقدر عليه ونطيقه، فقد روى أن الله حينما سمع رسوله وسمع المؤمنين يقولون: «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا» قال سبحانه: قد فعلت، وعندما قالوا: «رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» قال سبحانه: قد فعلت، ولم يكلفنا سبحانه إلا بما فى الوسع، وهو القدر المشترك عند كل المؤمنين.
وهناك أناس تكون همتهم أوسع من همة غيرهم، ومن تتسع همته فإنه يدخل بالعبادات التى يزيد منها فى باب التطوع، ومن لا تتسع همته فهو يؤدى الفروض المطلوبة منه فقط وعندما يطرأ على الإنسان ما يجعل الحكم فى غير الوسع؛ فإن الله يخفف التكليف؛ فالمسافر تقول له الشريعة: أنت تخرج عن حياتك الرتيبة، وتذهب إلى أماكن ليس لك بها مستقر، لذلك يخفف الحق عليك التكليف؛ فلك أن تفطر فى نهار رمضان، ولك أن تُقصر الصلاة، والحق سبحانه يعلم أن الوسع قد يضيق لذلك فإنه جل شأنه يخفف حكم التكليف ويمنح الرخص عند ضيق الوسع، ومثال ذلك قوله الحق: «الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّأْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ» «الأنفال: 66»، كانت النسبة فى القتال قبل هذه الآية هى واحداً لعشرة، وخففها الحق وجعلها واحداً إلى اثنين لأن هناك ضعفاً.
اقرأ أيضًا | خواطر الإمام الشعراوي.. مدة الصيام